به المقصوص. كبراهما : كانت تسمى صفراء، والصغرى : صفيراء. وصفراء : هي التي ذهبت به وطلبت إلى أبيها أن يستأجره، وهي التي تزوجها. وعن ابن عباس : أن شعيبا أحفظته الغيرة «١» فقال :
وما علمك بقوّته وأمانته؟ فذكرت إقلال الحجر ونزع الدلو، وأنه صوّب رأسه حين بلغته رسالته وأمرها بالمشي خلفه. وقولها إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ كلام حكيم جامع لا يزاد عليه، لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان، أعنى الكفاية والأمانة في القائم بأمرك فقد فرغ بالك وتم مرادك وقد استغنت بإرسال هذا الكلام الذي سياقه سياق المثل، والحكمة أن تقول استأجره لقوّته وأمانته «٢». فإن قلت : كيف جعل خير من استأجرت اسما لإنّ، والقوى الأمين خبرا؟ قلت : هو مثل قوله :
ألا إنّ خير النّاس حيّا وهالكا أسير ثقيف عندهم في السّلاسل «٣»

__
(١). قوله «أن شعيبا أحفظته الغبرة» أى أغضبته، كما في الصحاح. (ع)
(٢). قال محمود :«هذا كلام حكيم جامع لا يزاد عليه، لأنه إذا اجتمعت القوة والأمانة في القائم بأمرك فقد فرع بالك، وقد استغنت بإرسال هذا الكلام الذي ساقته سياق المثل والحكم عن أن تقول : فانه قوى أمين» قال أحمد : وهو أيضا أجمل في مدح النساء للرجال من المدح الخاص وأبقى للحشمة، وخصوصا إن كانت فهمت أن غرض أبيها عليه السلام أن يزوجها منه، وما أحسن ما أخذ الفاروق رضى اللّه تعالى عنه هذا المعنى فقال : أشكو إلى اللّه ضعف الأمين وخيانة القوى، ففي مضمون هذه الشكاية سؤال اللّه تعالى أن يتحفه بمن جمع الوصفين، فكان قويا أمينا يستعين به على ما كان بصدده رضى اللّه عنه. وهذا الإبهام - من ابنة شعيب صلوات اللّه عليه وسلامه - قد سلكته زليخا مع يوسف عليه السلام، ولكن شتان ما بين الحياء المجبول والمستعمل، ليس التكحل في العينين كالكحل، حيث قالت لسيدها : ما جزاء من أراد بأملك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم، وهي تعنى ما جزاء يوسف بما أرادنى من السوء إلا أن تسجنه أو تعذبه عذابا أليما، ولكنها أو همت زوجها الحياء والخفر أن تنطق بالعصمة منسوبا إليها الخنا، إيذانا بأن هذا الحياء منها الذي يمنعها أن تنطق بهذا الأمر، يمنعها من مراودة يوسف بطريق الأحرى والأولى، واللّه أعلم.
(٣) ألا إن خير الناس حيا وميتا أسير ثقيف عندهم في السلاسل
لعمري إن عمرتم السجن خالدا وأوطأتموه وطأة المتثاقل
لقد كان نهاضا بكل ملمة ومعطي اللهى غمرا كثير النوافل
لأبى الشغب العبسي، يتحزن على خالد بن عبد اللّه القسري حين أسره يوسف بن عمرو. وخير الناس : أفعل تفضيل، مضاف إلى المعرف بأل، وهو اسم إن. وحيا وميتا، وروى هالكا : حالان منه. وأسير : خبر إن مضاف إلى ثقيف علم القبيلة. والعلم أعرف من المحلى بأل، فخبر إن المضاف إليه أعرف من اسمها المضاف للمحلى، ولا مانع منه مع اتحادا لما صدق الذي هو مراد المخبر. وعندهم في السلاسل : حال أو خبر بعد خبر. ولعمري : قسم، إن عمرتم : أى أدخلتم وأسكنتم خالدا السجن. وأوطأتموه، أى : صيرتموه يطأ برجله الأرض كوطأة المتثاقل :
الحامل لشيء ثقيل، لجعل القيد في رجليه، فهو كناية عن ذلك لقد كان نهاضا جواب القسم، وجواب الشرط محذوف، أى : كان سريع القيام بكل نازلة ثقيلة، وكان معطي اللهى - بالفتح - : جمع لهاة، كحصى وحصاة، بمعنى اللحمة التي في أقصى الفم، لكنها هنا بمعنى الفم نفسه. والأوجه أنه بالضم جمع لهوة، كغرف : جمع غرفة بمعنى العطية من أى نوع كانت، غمرا : أى عطاء كثيرا غامرا، وكان كثير الزيادات في العطاء، وأجرى «معطي» مجرى المرفوع للوزن.


الصفحة التالية
Icon