إذا كان المستأجر له أو المخدوم فيه أمرا معلوما، ولعلّ ذلك كان جائزا في تلك الشريعة. ويجوز أن يكون المهر شيئا آخر، وإنما أراد أن يكون راعى غنمه هذه المدّة، وأراد أن ينكحه ابنته، فذكر له المرادين، وعلق الإنكاح بالرعية على معنى : إنى أفعل هذا إذا فعلت ذاك على وجه المعاهدة لا على وجه المعاقدة. ويجوز أن يستأجره لرعية ثماني سنين بمبلغ معلوم ويوفيه إياه، ثم ينكحه ابنته به، ويجعل قوله عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ عبارة عما جرى بينهما فَإِنْ أَتْمَمْتَ عمل عشر حجج فَمِنْ عِنْدِكَ فإتمامه من عندك. ومعناه : فهو من عندك لا من عندي، يعنى : لا ألزمكه ولا أحتمه عليك، ولكنك إن فعلته فهو منك تفضل وتبرع، وإلا فلا عليك وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ بإلزام أتمّ الأجلين وإيجابه. فإن قلت : ما حقيقة قولهم : شققت عليه، وشق عليه الأمر؟ قلت : حقيقته أن الأمر إذا تعاظمك فكأنه شق عليك ظنك باثنين، تقول تارة : أطيقه، وتارة : لا أطيقه. أو وعده المساهلة والمسامحة من نفسه، وأنه لا يشق عليه فيما استأجره له من رعى غنمه، ولا يفعل نحو ما يفعل المعاسرون من المسترعين، من المناقشة في مراعاة الأوقات، والمداقة في استيفاء الأعمال، وتكليف الرعاة أشغالا خارجة عن حدّ الشرط، وهكذا كان الأنبياء عليهم السلام آخذين بالأسمح في معاملات الناس. ومنه الحديث «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شريكي، فكان خير شريك لا يدارى ولا يشارى ولا يماري» «١» وقوله سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ يدل على ذلك، يريد بالصلاح : حسن المعاملة ووطأة الخلق ولين الجانب «٢». ويجوز أن يريد الصلاح على العموم.
ويدخل تحته حسن المعاملة، والمراد باشتراط مشيئة اللّه فيما وعد من الصلاح : الاتكال على توفيقه فيه ومعونته، لا أنه يستعمل الصلاح إن شاء اللّه، وإن شاء استعمل خلافه ذلِكَ مبتدأ، وبَيْنِي وَبَيْنَكَ خبره، وهو إشارة إلى ما عاهده عليه شعيب، يريد. ذلك الذي قلته وعاهدتني فيه وشارطتنى عليه قائم بيننا جميعا، لا نخرج كلانا عنه، لا أنا عما شرطت علىّ ولا أنت عما شرطت على نفسك. ثم قال : أى أجل من الأجلين قضيت : أطولهما الذي هو العشر، أو أقصرهما الذي هو الثمان فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ أى لا يعتدى علىّ في طلب الزيادة عليه. فإن قلت : تصوّر العدوان إنما هو في أحد الأجلين الذي هو الأقصر وهو المطالبة بتتمة العشر، فما معنى تعليق العدوان بهما جميعا؟ قلت : معناه كما أنى إن طولبت بالزيادة على العشر كان عدوانا لا شك فيه، فكذلك إن طولبت بالزيادة على الثمان. أراد بذلك تقرير أمر الخيار، وأنه ثابت
(١). أخرجه أبو داود، وابن ماجة من حديث السائب أنه قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم : كنت شريكي، فكنت خير شريك. لا تدارى ولا تمارى.
(٢). قوله «و وطأة الخلق ولين الجانب» في الصحاح :«شيء وطئ» : بين الوطاءة. (ع)