وقال :
وألقى على قبس من النّار جذوة شديدا عليه حرها والتهابها «١»
مِنْ الأولى والثانية لابتداء الغاية، أى : أتاه النداء من شاطئ الوادي من قبل الشجرة.
ومِنَ الشَّجَرَةِ بدل من قوله : من شاطئ الوادي، بدل الاشتمال، لأنّ الشجرة كانت نابتة على الشاطئ، كقوله تعالى لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ وقرئ : الْبُقْعَةِ بالضم والفتح.
والرَّهْبِ بفتحتين، وضمتين، وفتح وسكون، وضم وسكون : وهو الخوف. فإن قلت : ما معنى قوله وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ؟ قلت : فيه معنيان، أحدهما : أنّ موسى عليه السلام لما قلب اللّه العصا حية : فزع واضطرب، فاتقاها بيده كما يفعل الخائف من الشيء، فقيل له :
إنّ اتقاءك بيدك فيه غضاضة «٢» عند الأعداء. فإذا ألقيتها فكما تنقلب «٣» حية، فأدخل يدك تحت عضدك مكان اتقائك بها، ثم أخرجها بيضاء ليحصل الأمران : اجتناب ما هو غضاضة عليك، وإظهار معجزة أخرى. والمراد بالجناح : اليد، لأنّ يدي الإنسان بمنزلة جناحي الطائر. وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضد يده اليسرى، فقد ضمّ جناحه إليه. والثاني : أن يراد بضم جناحه إليه : تجلده وضبطه نفسه. وتشدّده عند انقلاب العصاحية حتى لا يضطرب ولا يرهب، استعارة من فعل الطائر، لأنه إذا خاف نشر جناحيه وأرخاهما. وإلا فجناحاه مضمومان إليه مشمران. ومنه ما يحكى عن عمر بن عبد العزيز أنّ كاتبا له كان يكتب بين يديه، فانفلتت منه فلتة ريح، فخجل وانكسر، فقام وضرب بقلمه الأرض، فقال له عمر : خذ قلمك، واضمم إليك جناحك، وليفرخ روعك «٤»، فإنى ما سمعتها من أحد أكثر مما سمعتها من نفسي. ومعنى قوله مِنَ الرَّهْبِ من أجل الرهب، أى : إذا أصابك الرهب عند رؤية الحية فاضمم إليك جناحك : جعل الرهب الذي كان يصيبه سببا وعلة فيما أمر به من ضم جناحه إليه. ومعنى : وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ، وقوله اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ على أحد التفسيرين : واحد. ولكن خولف بين العبارتين، وإنما كرّر المعنى الواحد لاختلاف الغرضين، وذلك أن الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء

__
(١). الجذوة في الأصل، العود الغليظ في رأسه نار أولا، ولكن خصها الوصف بما في رأسه نار، ثم إنها استعارة تصريحية للرمح أو للسيف، والحر والالتهاب : ترشيح لها. وشديد : خبر المبتدأ الذي بعده.
(٢). قوله «فيه غضاضة» أى : ذلة ومنقصة، كما في الصحاح. (ع)
(٣). قوله «فكما تنقلب حية» أى : فعند ما تنقلب. (ع) [.....]
(٤). قوله «و ليفرخ روعك» أى ليذهب فزعك. أفاده الصحاح. (ع)


الصفحة التالية
Icon