إنما يقوله ما دام حيا، فإذا قبضناه حلنا بينه وبين أن يقوله، ويأتينا رافضا له منفردا عنه غير قائل له، أو لا ننسى قوله هذا ولا نلغيه، بل نثبته في صحيفته لنضرب به وجهه في الموقف ونعيره به وَيَأْتِينا على فقره ومسكنته فَرْداً من المال والولد، لم نوله سؤله ولم نؤته متمناه، فيجتمع عليه الخطبان : تبعة قوله ووباله، وفقد المطموع فيه. فردا على الوجه الأول : حال مقدرة نحو فَادْخُلُوها خالِدِينَ لأنه وغيره سواء في إتيانه فردا حين يأتى، ثم يتفاوتون بعد ذلك.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٨١ إلى ٨٢]
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (٨٢)
أى ليتعززوا بآلهتهم حيث يكونون لهم عند اللّه شفعاء وأنصارا ينقذونهم من العذاب كَلَّا ردع لهم وإنكار لتعززهم بالآلهة. وقرأ ابن نهيك كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ أى سيجحدون كلا سيكفرون بعبادتهم، كقولك : زيدا مررت بغلامه. وفي محتسب ابن جنى : كلا بفتح الكاف والتنوين، وزعم أن معناه كل هذا الرأى والاعتقاد كلا. ولقائل أن يقول : إن صحت هذه الرواية فهي كلا التي هي للردع، قلب الواقف عليها ألفها نونا كما في قواريرا. والضمير في سَيَكْفُرُونَ للآلهة، أى : سيجحدون عبادتهم وينكرونها ويقولون : واللّه ما عبدتمونا وأنتم كاذبون. قال اللّه تعالى وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ أو للمشركين : أى ينكرون لسوء العاقبة أن يكونوا قد عبدوها. قال اللّه تعالى : ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا في مقابلة لَهُمْ عِزًّا والمراد ضدّ العز وهو الذل والهوان، أى :
يكونون عليهم ضدا لما قصدوه وأرادوه، كأنه قيل : ويكونون عليهم ذلا، لا لهم عزا أو يكونون عليهم عونا، والضدّ : العون. يقال من أضدادكم : أى أعوانكم وكأن العون سمى ضدا لأنه يضاد عدوك وينافيه بإعانته لك عليه. فإن قلت : لم وحد؟ قلت : وحد توحيده قوله عليه السلام :«و هم يد على من سواهم «١»» لاتفاق كلمتهم وأنهم كشيء واحد لفرط تضامهم وتوافقهم ومعنى كون الآلهة عونا عليهم : أنهم وقود النار وحصب جهنم، ولأنهم عذبوا بسبب عبادتها

__
(١). هذا طرف من حديث لعلى رضى اللّه عنه، أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد وإسحاق والحاكم من طريق قيس بن عباد عن على رضى اللّه عنه «أنه أخرج من قراب سيفه كتابا عهد إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإذا فيه - وذكره. وفيه هذا» وروى ابن ماجة من حديث ابن عباس رفعه قال «المسلمون تتكافأ دماؤهم. وهم يد على من سواهم - الحديث» وفي الباب عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، أخرجه أبو داود وابن ماجة وأحمد والبزار والطبراني من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه، وعن عبد اللّه بن عمر، أخرجه ابن حبان. وعن معقل ابن يسار أخرجه ابن ماجة.


الصفحة التالية
Icon