[سورة القصص (٢٨) : آية ٨٢]

وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (٨٢)
قد يذكر الأمس ولا يراد به اليوم الذي قبل يومك، ولكن الوقت المستقرب على طريق الاستعارة مَكانَهُ منزلته من الدنيا «وى» مفصولة عن «كأن»، وهي كلمة تنبه على الخطأ وتندم. ومعناه :
أن القوم قد تنبهوا على خطئهم في تمنيهم وقولهم يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ وتندموا ثم قالوا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ أى : ما أشبه الحال بأن الكافرين لا ينالون الفلاح، وهو مذهب الخليل وسيبويه. قال :
وى كأنّ من يكن له نشب يحبب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ «١»
وحكى الفراء أنّ أعرابية قالت لزوجها : أين ابنك؟ فقال : وى كأنه وراء البيت. وعند الكوفيين أنّ «ويك» بمعنى : ويلك، وأنّ المعنى ألم تعلم أنه لا يفلح الكافرون. ويجوز أن تكون الكاف كاف الخطاب مضمومة إلى وى، كقوله :
...... ويك عنتر أقدم «٢»
__
(١) سألتانى الطلاق أن رأتا قل مالى قد جئتمانى بنكر
وى كأن من يكن له نشب يحبب ومن يفتقر يعش عيش ضر
ويجنب سر النجي ولكن أخا المال محضر كل سر
لزيد بن عمرو بن نفيل القرشي. وقيل : لسعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة. وقيل : لنبيه بن الحجاج بن عامر، قتل كافرا يوم بدر. وسألتانى بقلب الهمزة ألفا للوزن، وهي لغة قليلة، والضمير لزوجتيه، والطلاق مفعول ثان، وأن رأتا : أى لرؤيتهما، وقل : يحتمل أنه فعل ماض، فلا بد به من تقدير محذوف قبله به يتم الكلام، أى : لأن رأتانى قل مالى. أو لرؤيتهما أنى قل مالى. ويحتمل أنه اسم بمعنى قليل، ولا حذف في الكلام، فالمعنى : لأن رأتا قليل مالى، أى : مالى القليل، والتفت من الغيبة إلى خطابهما بقوله : قد جثتمانى بنكر، أى : منكر. وفيه معنى التعجيب من حالهما، و«وى» : اسم فعل للتعجب، وقيل : لفظه تيقظ وتندم، وكأن :
للظن أو للتحقيق، كما أجازه الكوفيون، وهي مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن. وقيل : لا اسم للمخففة.
والنشب : المال. ويعش عيش ضرّ، أى : يبغض. والنجي - بالتشديد - : المناجى، أى : المتكلم بالسر.
ويجنب : مبنى للمجهول. وسر : مفعوله الثاني. وأخا المال : صاحب المال. ومحضر : اسم مفعول، وكل :
مفعوله الثاني.
(٢) ولقد شفى نفسي وأذهب سقمها قيل الفوارس ويك عنتر أقدم
لعنترة بن شداد من معلقته. ويروى : وأبر أسقمها. ويروى : وأذهب غمها. ويروى : قول، بدل : قيل. وكلاهما مصدر. وويك : اسم فعل للتعجب، لكن لا بلائم البيت. وقيل : كلمة تنبيه، والكاف حرف خطاب. وقال الكسائي : أصل «ويك» : ويلك، فالكاف ضمير مجرور، لكن تبعد ملاءمته للبيت. وعنتر : منادى مرخم، وحسن الترخيم وحذف حرف النداء : أن المقام للاهتمام وسرعة الكلام، وأقدم : أى أقبل على العدو، لتمنعنا بأسه. [.....]


الصفحة التالية
Icon