حقيق بالاجتناب في البلاغة، إلا إذا وقع ذلك لأجل غرض ينتحيه المتكلم من تفخيم أو تهويل «١» أو تنويه أو نحو ذلك. والطُّوفانُ ما أطاف وأحاط بكثرة وغلبة، من سيل أو ظلام ليل أو نحوهما. قال العجاج :
وغمّ طوفان الظّلام الأثأبا «٢»
أَصْحابَ السَّفِينَةِ كانوا ثمانية وسبعين نفسا : نصفهم ذكور، ونصفهم إناث، منهم أولاد نوح عليه السلام : سام، وحام، ويافث، ونساؤهم. وعن محمد بن إسحاق : كانوا عشرة. خمسة رجال وخمس نسوة. وقد روى عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم «كانوا ثمانية : نوح وأهله وبنوه الثلاثة» «٣» والضمير في وَجَعَلْناها للسفينة أو للحادثة والقصة.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ١٦ إلى ١٨]
وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨)
نصب إِبْراهِيمَ بإضمار اذكر، وأبدل عنه إِذْ بدل الاشتمال، لأنّ الأحيان تشتمل على ما فيها. أو هو معطوف على نُوحاً وإذ ظرف لأرسلنا، يعنى : أرسلناه حين بلغ من السنّ والعلم مبلغا صلح فيه لأن يعظ قومه وينصحهم ويعرض عليهم الحق ويأمرهم بالعبادة والتقوى

__
(١). عاد كلامه. قال :«و فيه نكتة أخرى، وهي أن القصة مسوقة لذكر ما ابتلى به نوح وكابده من طول المصابرة، تسلية له عليه السلام فكان ذكر رأس العدد الذي لا رأس أكثر منه أوقع على الغرض. قال : وإنما خالف بين اللفظين فذكر في الأول السنة وفي الثاني العام، تجنبا للتكرار الذي لا يحمد إلا لقصد تفخيم أو تعظيم» قال أحمد : ولو فخم المستثنى لعاد ذلك ببعض تفخيم المستثنى منه وتكبيره عند السامع، واللّه أعلم.
(٢) حتى إذا ما يومها تصيبا وعم طوفان الظلام الأثأبا
للعجاج يصف بقرة وحشية. وما : زائدة. ويروى : عم، بالمهملة وبالمعجمة، والمعنيان متقاربان. والطوفان :
كل ما طاف حول الشيء وأحاط به من ظلام أو ماء أو نحوهما. والأثأب : نوع من الشجر يشبه شجر التين، الواحدة : أثأبة ونسبة التصبب اليوم : مجاز عقلى من باب الاسناد للزمان، أو على تقدير التمييز، أى : تصبب مطرا، وستر ظلامه الشجر الذي كانت فيه.
(٣). تقدم في هود.


الصفحة التالية
Icon