تفوّه بها، لولا حلى ووقارى، وأنى لا أعجل بالعقوبة كما قال إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً. والثاني : أن يكون استعظاما للكلمة، وتهويلا من فظاعتها، وتصويرا لأثرها في الدين وهدمها لأركانه وقواعده، وأن مثال ذلك الأثر في المحسوسات : أن يصيب هذه الأجرام العظيمة التي هي قوام العالم ما تنفطر منه وتنشق وتخرّ. وفي قوله لَقَدْ جِئْتُمْ وما فيه من المخاطبة بعد الغيبة، وهو الذي يسمى الالتفات في علم البلاغة زيادة تسجيل عليهم بالجرأة على اللّه، والتعرّض لسخطه، وتنبيه على عظم ما قالوا. في أَنْ دَعَوْا ثلاثة أوجه : أن يكون مجرورا بدلا من الهاء في منه، كقوله :
على حالة لو أنّ في القوم حاتما على جوده لضنّ بالماء حاتم «١»
ومنصوبا بتقدير سقوط اللام وإفضاء الفعل، أى : هذا لأن دعوا، علل الخرور بالهدّ، والهدّ بدعاء الولد للرحمن. ومرفوعا بأنه فاعل هذا، أى هدها دعاء الولد للرحمن. وفي اختصاص الرحمن وتكريره مرات من الفائدة أنه هو الرحمن وحده، لا يستحق هذا الاسم غيره، من قبل أنّ أصول النعم وفروعها منه : خلق العالمين، وخلق لهم جميع ما معهم، كما قال بعضهم : فلينكشف عن بصرك غطاؤه، فأنت وجميع ما عندك عطاؤه. فمن أضاف إليه ولدا فقد جعله كبعض خلقه وأخرجه بذلك عن استحقاق اسم الرحمن. هو من دعا بمعنى سمى المتعدي إلى مفعولين، فاقتصر على أحدهما الذي هو الثاني، طلبا للعموم والإحاطة بكل ما دعى له ولدا. أو من دعا بمعنى نسب، الذي مطاوعه ما في قوله عليه السلام «من ادعى إلى غير مواليه «٢»» وقول الشاعر :
إنّا بنى نهشل لا ندّعى لأب «٣»
أى لا ننتسب إليه.
(١). تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٤٣٨ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٢). لم أره بلفظ «من ادعي» وإنما هو عند مسلم بلفظ «انتمى» أخرجه من حديث على بن أبى طالب رفعه «من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه - الحديث»
(٣) إنا بنى نهشل لا ندعى لأب عنه ولا هو بالأبناء يشرينا
يكفيه إن نحن متنا أن يسر بنا وهو إذا ذكر الآباء يكفينا
لبشامة بن حزن النهشلي، ويقال : ادعى فلان في بنى هاشم ولهم وإليهم، أى : انتسب إليهم وادعى عنهم إذا انتسب لغيرهم. وعدل عنهم يقول : إنا لا ننتسب لأب غير نهشل، وبنى نهشل : نصب على الاختصاص يفيد المدح ولا هو يشرينا، أى يبيعنا ويستبدلنا بأبناء غيرنا، ثم قال : يكفيه منا سروره بنا إن متنا ولحقناه، حيث أوجبنا له ولنا الثناء الجميل من شجاعتنا وحسن خصالنا. و«إن» بمعنى «إذا» لأن الموت لا شك فيه. ويروى «أن يسب» بباء، ولعل معناه : لا مسبة له غير موتنا في القتال، يعنى : إن كان ذلك مسبة وليس كذلك، ويمكن أن تعبيره بالكفاية ليفيد أنه مستغن عن المدح من جهة أبنائه عند التفاخر. وعند عد مآثر الآباء لا نحتاج لغيره، فننتسب له لنشرف بشرفه.