أنهم أولاد اللّه، كانوا بين كفرين، أحدهما : القول بأن الرحمن يصح أن يكون والدا. والثاني :
إشراك الذين زعموهم للّه أولادا في عبادته، كما يخدم الناس أبناء الملوك خدمتهم لآبائهم، فهدم اللّه الكفر الأول فيما تقدم من الآيات، ثم عقبه بهدم الكفر الآخر. والمعنى : ما من معبود لهم في السموات والأرض من الملائكة ومن الناس إلا وهو يأتى الرحمن، أى : يأوى إليه ويلتجئ إلى ربوبيته عبدا منقادا مطيعا خاشعا خاشيا راجيا، كما يفعل العبيد وكما يجب عليهم، لا يدعى لنفسه ما يدعيه له هؤلاء الضلال. ونحوه قوله تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ وكلهم متقلبون في ملكوته مقهورون بقهره وهو مهيمن عليهم محيط بهم وبحمل أمورهم وتفاصيلها وكيفيتهم وكميتهم، لا يفوته شيء من أحوالهم، وكل واحد منهم يأتيه يوم القيامة منفردا ليس معه من هؤلاء المشركين أحد وهم برآء منهم.
[سورة مريم (١٩) : آية ٩٦]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦)
قرأ جناح بن حبيش وُدًّا بالكسر : والمعنى : سيحدث لهم في القلوب مودّة ويزرعها لهم فيها من غير تودّد منهم ولا تعرّض للأسباب التي توجب الود ويكتسب بها الناس مودات القلوب، من قرابة أو صداقة أو اصطناع بمبرة أو غير ذلك، وإنما هو اختراع منه ابتداء اختصاصا منه لأوليائه بكرامة خاصة، كما قذف في قلوب أعدائهم الرعب والهيبة إعظاما لهم وإجلالا لمكانهم. والسين إما لأن السورة مكية وكان المؤمنون حينئذ ممقوتين بين الكفرة فوعدهم اللّه تعالى ذلك إذا دجا الإسلام. وإما أن يكون ذلك يوم القيامة يحببهم إلى خلقه بما يعرض من حسناتهم وينشر من ديوان أعمالهم. وروى أنّ النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لعلى رضى اللّه عنه :«يا علىّ قل اللهم اجعل لي عندك عهدا، واجعل لي في صدور المؤمنين مودّة «١»» فأنزل اللّه هذه الآية. وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما : يعنى يحبهم اللّه ويحبهم إلى خلقه. وعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «يقول اللّه عز وجل يا جبريل قد أحببت فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادى في أهل السماء : إنّ اللّه قد أحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يضع له المحبة في أهل الأرض»
» وعن قتادة : ما أقبل العبد إلى اللّه إلا أقبل اللّه بقلوب العباد إليه.
(١). أخرجه الثعلبي والطبراني في مسند حمزة الزيات، وابن مردويه من حديث البراء بن عازب رضى اللّه عنهما وفيه إسحاق بن بشر عن خالد بن زيد، وهما متروكان.
(٢). متفق عليه من حديث أبى هريرة بمعناه.