الضمير في يَتَفَرَّقُونَ للمسلمين والكافرين، لدلالة ما بعده عليه. وعن الحسن رضى اللّه عنه :
هو تفرّق المسلمين والكافرين : هؤلاء في عليين، وهؤلاء في أسفل السافلين - وعن قتادة رضى اللّه عنه : فرقة لا اجتماع بعدها فِي رَوْضَةٍ في بستان، وهي الجنة. والتنكير لإبهام أمرها وتفخيمه. والروضة عند العرب : كل أرض ذات نبات وماء. وفي أمثالهم : أحسن من بيضة في روضة، يريدون : بيضة النعامة يُحْبَرُونَ يسرون. يقال : حبره إذا سرّه سرورا تهلل له وجهه وظهر فيه أثره. ثم اختلفت فيه الأقاويل لاحتماله وجوه جميع المسارّ، فعن مجاهد رضى اللّه عنه :
يكرمون. وعن قتادة : ينعمون. وعن ابن كيسان : يحلون. وعن أبى بكر بن عياش : التيجان على رءوسهم. وعن وكيع : السماع في الجنة. وعن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم : أنه ذكر الجنة وما فيها من النعيم «١»، وفي آخر القوم أعرابىّ فقال : يا رسول اللّه، هل في الجنة من سماع؟
قال :«نعم يا أعرابى، إنّ في الجنة لنهرا حافتاه الأبكار من كل بيضاء خوصانية، يتغنين بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها قط، فذلك أفضل نعيم الجنة» قال الراوي : فسألت أبا الدرداء، بم يتغنين؟ قال : بالتسبيح. وروى «إنّ في الجنة لأشجارا عليها أجراس من فضة» فإذا أراد أهل الجنة السماع بعث اللّه ريحا من تحت العرش فتقع في تلك الأشجار، فتحرّك تلك الأجراس بأصوات لو سمعها أهل الدنيا لماتوا طربا «٢»» مُحْضَرُونَ لا يغيبون عنه ولا يخفف عنهم، كقوله :
وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها، لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ١٧ إلى ١٩]
فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩)
لما ذكر الوعد والوعيد، أتبعه ذكر ما يوصل إلى الوعد وينجى من الوعيد. والمراد بالتسبيح ظاهره الذي هو تنزيه اللّه من السوء والثناء عليه بالخير في هذه الأوقات لما يتجدّد فيها من نعمة اللّه الظاهرة. وقيل : الصلاة. وقيل لابن عباس رضى اللّه عنهما : هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال : نعم، وتلا هذه الآية تُمْسُونَ صلاتا المغرب والعشاء تُصْبِحُونَ صلاة
(١). في طريق سليمان بن عطاء عن مسلمة بن عبد اللّه الجنبي عن عمه أبى مشجعة عن أبى الدرداء قال «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يذكر الناس فذكر الجنة وما فيها... الحديث» وسليمان منكر الحديث.
(٢). أخرجه الثعلبي من رواية عبد اللّه بن عرادة الشيباني أحد الضعفاء عن القاسم بن مطيب عن مغيرة عن إبراهيم بهذا. وروى إسحاق في مسنده من رواية مجاهد قيل لأبى هريرة «هل في الجنة من سماع؟ قال نعم شجرة أصلها من ذهب وأغصانها من الفضة وثمرها الياقوت والزبرجد يبعث لها ريح فيحرك بعضها بعضا. فما سمع شيء قط أحسن منه».