[سورة الروم (٣٠) : آية ٢٤]
وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤)في يُرِيكُمُ وجهان : إضماران، وإنزال الفعل منزلة المصدر، وبهما فسر المثل : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. وقول القائل :
وقالوا ما تشاء فقلت ألهو إلى الإصباح آثر ذى أثير «١»
خَوْفاً من الصاعقة أو من الإخلاف وَطَمَعاً في الغيث. وقيل : خوفا للمسافر، وطمعا للحاضر، وهما منصوبان على المفعول له. فإن قلت : من حق المفعول له أن يكون فعلا لفاعل الفعل المعلل، والخوف والطمع ليسا كذلك. قلت : فيه وجهان، أحدهما : أن المفعولين فاعلون في المعنى، لأنهم راءون، فكأنه قيل : يجعلكم رائين البرق خوفا وطمعا. والثاني : أن يكون على تقدير حذف المضاف، أى : إرادة خوف وإرادة طمع «٢»، فحذف المضاف وأقيم المضاف
__
(١) أرقت وصحبتي بمضيق عمق لبرق من تهامة مستطير
سقونى الخمر ثم تكنفوني عداة اللّه من كذب وزور
وقالوا ما تشاء فقلت ألهو إلى الإصباح آثر ذى أثير
لعروة بن الورد العبسي، وأرقت : سهرت. والواو للمعية. والمضيق المكان الضيق. وعمق - بكسر فسكون - :
شجر ببلاد الحجاز، وبضم ففتح : موضع منخفض عند مكة، ولعله سكن هنا للوزن، ولبرق : متعلق بأرقت، أى سهرت في هذا الموضع لأجل برق من تهامة جهة محبوبتى، ويحتمل أن الواو حالية، وصحبتي مبتدأ خبره بمضيق عمق، وإذا كان أصحابه فيه فهو فيه، فرجع إلى الأول، ومستطير : منتشر. وروى : سقونى النسيء. ونسأت اللبن : خلطته بماء، فالنسىء : هو اللبن المخلوط بماء، وتكنفوني : أحاطوا بى، وعداة : جمع عاد بمعنى عدو.
وقيل : جمع عدو، أى : هم أعداء اللّه من أجل كذبهم وزورهم، وهي جملة اعتراضية، ويحتمل أن «عداة» بدل من ضمير الفاعل. أو فاعل على لغة من قال : أكلونى البراغيث، أى : أحاطوا بى وقالوا : ما الذي تريده، فقلت : ألهو، أى : هو أن ألهو، فأن : مقدرة معنى، وإن لم ينصب الفعل لفظا. وقال الجوهري : يقال افعل هذا آثر ذى أثير، أى : أول كل شيء، فأشار إلى أن آثر : نصب على الظرفية المجازية أو الحالية، أى افعله حال كونه أول كل شيء يؤثر، فهو أفعل تفضيل بمعنى المفعول، ونص ابن الحاجب على جواز ذلك ووروده قليلا، وأثره بقصر الهمزة ومدها : إذا قدمه على غيره، وأثير : اسم مفعول بمعنى مأثور. أو حقيق بالتقدم، فالمعنى : أول كل شيء صاحب شيء مأثور، فيكون هو الأثير المقدم. أو التقدير : لهوى طول الليل هو المقدم عندي.
(٢). قال محمود : فان قلت : أينصب خوفا وطمعا مفعولا لهما وليسا فعلى فاعل الفعل المعلل، فما وجه ذلك؟ قلت :
المفعولون هنا فاعلون لأنهم راءون، فتقديره : يجعلكم رائين البرق خوفا وطمعا. أو على حذف مضاف، تقديره : إرادة خوفكم وطمعكم» قال أحمد : الخوف والطمع من جملة مخلوقات اللّه تعالى وآثار قدرته، وحينئذ يلزم اجتماع شرائط النصب فيهما وهي كونهما مصدرين ومقارنين في الوجود، والفاعل الخالق واحد، فلا بد من التنبيه على تخريج النصب على غير هذا الوجه، فنقول : معنى قول النحاة في المفعول له لا بد وأن يكون فعل الفاعل، أى : ولا بد أن يكون الفاعل متصفا به، مثاله إذا قلت : جئتك إكراما لك، فقد وصفت نفسك بالإكرام فقلت في المعنى : جئتك مكرما لك، واللّه تعالى - وإن خلق الخوف والطمع لعباده - إلا أنه مقدس عن الاتصاف بهما، فمن ثم احتيج إلى تأويل النصب على المذهبين جميعا. واللّه أعلم.
(١) أرقت وصحبتي بمضيق عمق لبرق من تهامة مستطير
سقونى الخمر ثم تكنفوني عداة اللّه من كذب وزور
وقالوا ما تشاء فقلت ألهو إلى الإصباح آثر ذى أثير
لعروة بن الورد العبسي، وأرقت : سهرت. والواو للمعية. والمضيق المكان الضيق. وعمق - بكسر فسكون - :
شجر ببلاد الحجاز، وبضم ففتح : موضع منخفض عند مكة، ولعله سكن هنا للوزن، ولبرق : متعلق بأرقت، أى سهرت في هذا الموضع لأجل برق من تهامة جهة محبوبتى، ويحتمل أن الواو حالية، وصحبتي مبتدأ خبره بمضيق عمق، وإذا كان أصحابه فيه فهو فيه، فرجع إلى الأول، ومستطير : منتشر. وروى : سقونى النسيء. ونسأت اللبن : خلطته بماء، فالنسىء : هو اللبن المخلوط بماء، وتكنفوني : أحاطوا بى، وعداة : جمع عاد بمعنى عدو.
وقيل : جمع عدو، أى : هم أعداء اللّه من أجل كذبهم وزورهم، وهي جملة اعتراضية، ويحتمل أن «عداة» بدل من ضمير الفاعل. أو فاعل على لغة من قال : أكلونى البراغيث، أى : أحاطوا بى وقالوا : ما الذي تريده، فقلت : ألهو، أى : هو أن ألهو، فأن : مقدرة معنى، وإن لم ينصب الفعل لفظا. وقال الجوهري : يقال افعل هذا آثر ذى أثير، أى : أول كل شيء، فأشار إلى أن آثر : نصب على الظرفية المجازية أو الحالية، أى افعله حال كونه أول كل شيء يؤثر، فهو أفعل تفضيل بمعنى المفعول، ونص ابن الحاجب على جواز ذلك ووروده قليلا، وأثره بقصر الهمزة ومدها : إذا قدمه على غيره، وأثير : اسم مفعول بمعنى مأثور. أو حقيق بالتقدم، فالمعنى : أول كل شيء صاحب شيء مأثور، فيكون هو الأثير المقدم. أو التقدير : لهوى طول الليل هو المقدم عندي.
(٢). قال محمود : فان قلت : أينصب خوفا وطمعا مفعولا لهما وليسا فعلى فاعل الفعل المعلل، فما وجه ذلك؟ قلت :
المفعولون هنا فاعلون لأنهم راءون، فتقديره : يجعلكم رائين البرق خوفا وطمعا. أو على حذف مضاف، تقديره : إرادة خوفكم وطمعكم» قال أحمد : الخوف والطمع من جملة مخلوقات اللّه تعالى وآثار قدرته، وحينئذ يلزم اجتماع شرائط النصب فيهما وهي كونهما مصدرين ومقارنين في الوجود، والفاعل الخالق واحد، فلا بد من التنبيه على تخريج النصب على غير هذا الوجه، فنقول : معنى قول النحاة في المفعول له لا بد وأن يكون فعل الفاعل، أى : ولا بد أن يكون الفاعل متصفا به، مثاله إذا قلت : جئتك إكراما لك، فقد وصفت نفسك بالإكرام فقلت في المعنى : جئتك مكرما لك، واللّه تعالى - وإن خلق الخوف والطمع لعباده - إلا أنه مقدس عن الاتصاف بهما، فمن ثم احتيج إلى تأويل النصب على المذهبين جميعا. واللّه أعلم.