يرفع صوته بالغناء إلا بعث اللّه عليه شيطانين : أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب، فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت «١» «و قيل : الغناء منفدة للمال، مسخطة للرب، مفسدة للقلب. فإن قلت : ما معنى إضافة اللهو إلى الحديث؟ قلت :
معناها التبيين، وهي الإضافة بمعنى من، وأن يضاف الشيء إلى ما هو منه، كقولك : صفة خز، وباب ساج «٢»
. والمعنى : من يشترى اللهو من الحديث، لأن اللهو يكون من الحديث ومن غيره، فبين بالحديث. والمراد بالحديث. الحديث المنكر، كما جاء في الحديث :«الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش «٣»» ويجوز أن تكون الإضافة بمعنى «من» التبعيضية، كأنه قيل : ومن الناس من يشترى بعض الحديث الذي هو اللهو منه. وقوله يَشْتَرِي إما من الشراء، على ما روى عن النضر : من شراء كتب الأعاجم أو من شراء القيان. وإما من قوله اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ أى استبدلوه منه واختاروه عليه. وعن قتادة : اشتراؤه :
استحبابه، يختار حديث الباطل على حديث الحق. وقرئ : لِيُضِلَّ بضم الياء وفتحها.
وسَبِيلِ اللَّهِ دين الإسلام أو القرآن. فإن قلت : القراءة بالضم بينة، لأن النضر كان غرضه باشتراء اللهو : أن يصدّ الناس عن الدخول في الإسلام واستماع القرآن ويضلهم عنه، فما معنى القراءة بالفتح؟ قلت : فيه معنيان، أحدهما : ليثبت على ضلاله الذي كان عليه، ولا يصدف عنه، ويزيد فيه ويمدّه، فإن المخذول كان شديد الشكيمة في عداوة الدين وصدّ الناس عنه.
والثاني : أن يوضع ليضل موضع ليضل، من قبل أن من أضل كان ضالا لا محالة، فدل بالرديف على المردوف. فإن قلت : ما معنى قوله بِغَيْرِ عِلْمٍ؟ قلت : لما جعله مشتريا لهو الحديث بالقرآن قال : يشترى بغير علم بالتجارة وبغير بصيرة بها، حيث يستبدل الضلال بالهدى والباطل بالحق.
ونحوه قوله تعالى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ أى : وما كانوا مهتدين للتجارة بصراء بها : وقرئ وَيَتَّخِذَها بالنصب والرفع عطفا على يشترى. أو ليضل، والضمير للسبيل، لأنها مؤنثة، كقوله تعالى وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً.

__
(١). أخرجه أبو يعلى وإسحاق والحارث من طريق أبى أمامة وهو عند الطبراني من رواية يحيى بن الحارث عن القاسم في الحديث الذي قبله.
(٢). قوله «كقولك صفة خز وباب ساج» لعله محرف. وأصله جبة خز، ثم رأيت في الصحاح : صفة الدار والسرج : واحدة الصفف اه، فلعل صفة السرج تكون من خز. (ع)
(٣). تقدم في براءة.


الصفحة التالية
Icon