وقرئ : نعمه، ونعمة، ونعمته. فإن قلت : ما النعمة؟ قلت : كل نفع قصد به الإحسان، واللّه تعالى خلق العالم كله نعمة، لأنه إما حيوان، وإما غير حيوان. فما ليس بحيوان نعمة على الحيوان، والحيوان نعمة من حيث أنّ إيجاده حيا نعمة عليه. لأنه لولا إيجاده حيا لما صح منه الانتفاع، وكل ما أدى إلى الانتفاع وصححه فهو نعمة. فإن قلت : لم كان خلق العالم مقصودا به الإحسان؟ قلت : لأنه لا يخلقه إلا لغرض، وإلا كان عبثا، والعبث لا يجوز عليه ولا يجوز أن يكون لغرض راجع إليه من نفع، لأنه غنى غير محتاج إلى المنافع، فلم يبق إلا أن يكون لغرض يرجع إلى الحيوان وهو نفعه. فإن قلت : فما معنى الظاهرة والباطنة؟ قلت : الظاهرة كل ما يعلم بالمشاهدة، والباطنة ما لا يعلم إلا بدليل، أو لا يعلم أصلا، فكم في بدن الإنسان من نعمة لا يعلمها ولا يهتدى إلى العلم بها، وقد أكثروا في ذلك : فعن مجاهد : الظاهرة ظهور الإسلام والنصرة على الأعداء، والباطنة : الأمداد من الملائكة. وعن الحسن رضى اللّه عنه : الظاهرة : الإسلام. والباطنة الستر. وعن الضحاك : الظاهرة : حسن الصورة، وامتداد القامة. وتسوية الأعضاء. والباطنة :
المعرفة. وقيل : الظاهرة البصر، والسمع، واللسان، وسائر الجوارح الظاهرة. والباطنة :
القلب، والعقل، والفهم، وما أشبه ذلك. ويروى في دعاء موسى عليه السلام : إلهى، دلني على أخفى نعمتك على عبادك، فقال : أخفى نعمتي عليهم النفس. ويروى : أن أيسر ما يعذب به أهل النار : الأخذ بالأنفاس «١».
[سورة لقمان (٣١) : آية ٢١]
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَ لَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١)
معناه أَيتبعونهم وَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ أى في حال دعاء الشيطان إياهم إلى العذاب.
[سورة لقمان (٣١) : آية ٢٢]
وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢)
قرأ على بن أبى طالب رضى اللّه عنه : ومن يسلم بالتشديد، يقال : أسلم أمرك وسلم أمرك إلى اللّه. فإن قلت : ماله عدّى بإلى، وقد عدّى باللام في قوله بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ؟ قلت :
معناه مع اللام : أنه جعل وجهه وهو ذاته ونفسه سالما للّه. أى خالصا له. ومعناه - مع إلى - :
(١). لم أجده.