كقوله تعالى فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ودل بإضافة الروح إلى ذاته على أنه خلق عجيب لا يعلم كنهه إلا هو، كقوله وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ... الآية كأنه قال : ونفخ فيه من الشيء الذي اختص هو به وبمعرفته.
[سورة السجده (٣٢) : الآيات ١٠ إلى ١١]
وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (١٠) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١)
وَقالُوا قيل القائل أبى بن خلف، ولرضاهم بقوله أسند إليهم جميعا. وقرئ : أئنا.
وأنا، على الاستفهام وتركه ضَلَلْنا صرنا ترابا، وذهبنا مختلطين بتراب الأرض، لا نتميز منه، كما يضل الماء في اللبن أو غبنا فِي الْأَرْضِ بالدفن فيها، من قوله :
وآب مضلّوه بعين جليّة «١»
وقرأ على وابن عباس رضى اللّه عنهما : ضللنا، بكسر اللام. يقال : ضل يضل وضل يضل. وقرأ الحسن رضى اللّه عنه : صللنا، من صلّ اللحم وأصلّ : إذا أنتن. وقيل : صرنا من جنس الصلة وهي الأرض. فإن قلت : بم انتصب الظرف في أَإِذا ضَلَلْنا؟ قلت : بما يدل عليه إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ وهو نبعث. أو يجدد خلقنا. لقاء ربهم : هو الوصول إلى العاقبة، من تلقى ملك الموت وما وراءه، فلما ذكر كفرهم بالإنشاء، أضرب عنه إلى ما هو أبلغ في الكفر، وهو أنهم كافرون بجميع ما يكون في العاقبة، لا بالإنشاء وحده : ألا ترى كيف خوطبوا بتوفي ملك الموت وبالرجوع إلى ربهم بعد ذلك مبعوثين للحساب والجزاء، وهذا معنى لقاء اللّه على ما ذكرنا والتوفي : استيفاء النفس وهي الروح. قال اللّه تعالى اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ وقال : أخرجوا أنفسكم، وهو أن يقبض كلها لا يترك منها شيء. من قولك : توفيت حقي من فلان، واستوفينه إذا أخذته وافيا كاملا من غير نقصان. والتفعل والاستفعال : يلتقيان في مواضع : منها : تقصيته واستقصيته، وتعجلته واستعجلته. وعن مجاهد رضى اللّه عنه : حويت لملك الموت الأرض، وجعلت له مثل الطست، يتناول منها حيث يشاء. وعن قتادة : يتوفاهم ومعه أعوان من الملائكة.
وقيل : ملك الموت : يدعو الأرواح فتجيبه، ثم يأمر أعوانه بقبضها.
(١) وآب مضلوه بعين جلية وغودر بالجولان حزم ونائل
يرثى ميتا. والإياب : الرجوع. والإضلال : الدفق والتغيب. وجولان : جبل بالشام. والنائل : العطاء يعنى : بترك ذلك الموصوف بالحزم والكرم، فقد ترك الوصفات هناك.