والضراء، فيقومون وهم قليل، فيسرحون جميعا إلى الجنة. ثم يحاسب سائر الناس» «١». وعن أنس بن مالك رضى اللّه عنه : كان أناس من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء الآخرة، فنزلت فيهم «٢». وقيل : هم الذين يصلون صلاة العتمة لا ينامون عنها ما أُخْفِيَ لَهُمْ على البناء للمفعول. ما أخفى لهم على البناء للفاعل، وهو اللّه سبحانه. وما أخفى لهم. وما نخفى لهم. وما أخفيت لهم : الثلاثة للمتكلم، وهو اللّه سبحانه. وما : بمعنى الذي، أو بمعنى أى «٣». وقرئ : من قرّة أعين. وقرات أعين. والمعنى : لا تعلم النفوس - كلهنّ ولا نفس واحدة منهنّ لا ملك مقرب ولا نبىّ مرسل - أىّ نوع عظيم من الثواب ادخر اللّه لأولئك وأخفاه من جميع خلائقه، لا يعلمه إلا هو مما تقر به عيونهم، ولا مزيد على هذه العدة ولا مطمح وراءها، ثم قال جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ فحسم أطماع المتمنين «٤» : وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم :«يقول اللّه تعالى : أعددت لعبادي الصالحين «٥» ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر،
(١). أخرجه إسحاق وأبو يعلى من رواية شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد مطولا وهو عند الحاكم باختصار
(٢). أخرجه ابن مردويه من رواية الحرث بن رحبة عن مالك بن دينار «سألت أنس بن مالك عن قوله تعالى تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ - الآية فقال : كان ناس - فذكره» ورواه أبو داود من حديث سعيد عن قتادة عن أنس نحوه، قال : وكان الحسن يقول «هو قيام الليل» والبزار من طريق زيد بن أسلم عن أبيه. قال قال بلال «كنا نجلس وناس من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم يصلون بعد المغرب إلى العشاء فنزلت هذه الآية» قال : ولا نعلم له طريقا إلا هذه. ولا روى أسلم عن بلال غيره
(٣). قوله «أو بمعنى أى» لعله : أى شيء (ع)
(٤). قال محمود :«هذا حسم لأطماع المتمنين» قال أحمد : يشير إلى أهل السنة لاعتقادهم أن المؤمن العاصي موعود بالجنة، ولا بد من دخوله إياها وفاء بالوعد الصادق، وأن أحدا لا يستحق على اللّه بعمله شيئا، فلما وجد قوله تعالى جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ اغتنم الفرصة في الاستشهاد على معتقد القدرية في أن الأعمال أسباب موجبة للجزاء، ولا دليل في ذلك لمعتقدهم مع قوله صلى اللّه عليه وسلم «لا يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قيل : ولا أنت يا رسول اللّه؟ قال : ولا أنا، إلا أن يتغمدني اللّه بفضل منه ورحمة» فهذا الحديث يوجب حمل الآية على وجه يجمع بينها وبينه، وذلك إما أن تحمل الآية على أن المراد منها قسمة المنازل بينهم في الجنة فانه على حسب الأعمال، وليس بذاك فان المذكور في الآية مجرد دخول الجنة لا اقتسام درجاتها. وإما أن تحمل - وهو الظاهر، واللّه أعلم - على أن اللّه تعالى لما وعد المؤمن جنته - ووعده يجب أن يكون حقا وصدقا، تعالى وتقدس - صارت الأعمال بالوعد كأنها أسباب موجبات، فعوملت في هذه العبارة معاملتها، والمقصود من ذلك : تأكيد صدق الوعد في النفوس، وتصوره بصورة المستحق بالعمل، كالأجرة المستحقة شاهدا على العمل من باب مجاز التشبيه، واللّه أعلم. وذكر الزمخشري الحديث المشهور وهو «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، اقرؤا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين» وكان جدي رحمه اللّه يستحسن أن تقرأ الآية تلو الحديث المذكور بسكون الياء من أخفى، ورده إلى المتكلم، وهي من القراآت المستفيضة. والسبب في اختيار ذلك مطابقة صدر الحديث وهو : أعددت لعبادي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ليكون الكل راجعا إلى اللّه تعالى، مسندا إلى ضمير اسمه عز وجل صريحا، واللّه الموفق.
(٥). متفق عليه من طريق أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة رضى اللّه عنه.