ألا ترى إلى ما لم يقصد به التعليم والتلقين من الأخبار كيف ذكره بنحو ما ذكره في النداء لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ، لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ، النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ. اتق اللّه : واظب على ما أنت عليه من التقوى، واثبت عليه، وازدد منه، وذلك لأن التقوى باب لا يبلغ آخره وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ لا تساعدهم على شيء. ولا تقبل لهم رأيا ولا مشورة، وجانبهم واحترس منهم، فإنهم أعداء اللّه وأعداء المؤمنين، لا يريدون إلا المضارّة والمضادّة. وروى أنّ النبي صلى اللّه عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان يحب إسلام اليهود قريظة والنضير وبنى قينقاع وقد بايعه ناس منهم على النفاق فكان يلين لهم جانبه ويكرم صغيرهم وكبيرهم. وإذا أتى منهم قبيح تجاوز عنه، وكان يسمع منهم «١» فنزلت. وروى أن أبا سفيان بن حرب وعكرمة بن أبى جهل وأبا الأعور السلمى قدموا عليه في الموادعة التي كانت بينه وبينهم، وقام معهم عبد اللّه بن أبىّ ومعتب بن قشير والجد بن قيس، فقالوا للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم : ارفض ذكر آلهتنا وقل إنها تشفع وتنفع وندعك وربك، فشق ذلك على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعلى المؤمنين وهموا بقتلهم «٢»، فنزلت : أى اتق اللّه في نقض العهد ونبذ الموادعة، ولا تطع الكافرين من أهل مكة والمنافقين من أهل المدينة فيما طلبوا إليك. وروى أنّ أهل مكة دعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى أن يرجع عن دينه ويعطوه شطر أموالهم، وأن يزوجه شيبة بن ربيعة بنته، وخوفه منافقو المدينة أنهم يقتلونه إن لم يرجع.
فنزلت إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بالصواب من الخطإ، والمصلحة من المفسدة حَكِيماً لا يفعل شيئا ولا يأمر به إلا بداعي الحكمة وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ في ترك طاعة الكافرين والمنافقين وغير ذلك إِنَّ اللَّهَ الذي يوحى إليك خبير بِما تَعْمَلُونَ فموح إليك ما يصلح به أعمالكم، فلا حاجة بكم إلى الاستماع من الكفرة. وقرئ : يعملون، بالياء، أى : بما يعمل المنافقون من كيدهم لكم ومكرهم بكم وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وأسند أمرك إليه وكله إلى تدبيره وَكِيلًا حافظا موكولا إليه كل أمر.
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٤ إلى ٥]
ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤) ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥)
(١). لم أجده.
(٢). هكذا ذكره الثعلبي والواحدي بغير سند.