أنفسكم إلينا. وهي لغة أهل الحجاز : يسؤون فيه بين الواحد والجماعة. وأمّا تميم فيقولون :
هلمّ يا رجل، وهلموا يا رجال، وهو صوت سمى به فعل متعدّ مثل احضر وقرب قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ إِلَّا قَلِيلًا إلا إتيانا قليلا يخرجون مع المؤمنين يوهمونهم أنهم معهم، ولا نراهم يبارزون ويقاتلون إلا شيئا قليلا إذا اضطرّوا إليه، كقوله ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا. أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ في وقت الحرب أضناء بكم، يترفرفون عليكم كما يفعل الرجل بالذاب عنه المناضل دونه عند الخوف يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ في تلك الحالة كما ينظر المغشى عليه من معالجة سكرات الموت حذرا وخورا ولو إذا بك، فإذا ذهب الخوف وحيزت الغنائم ووقعت القسمة : نقلوا ذلك الشحّ وتلك الضنة والرفرفة عليكم إلى الخير - وهو المال والغنيمة - ونسوا تلك الحالة الأولى، واجترءوا عليكم وضربوكم بألسنتهم وقالوا : وفروا قسمتنا فإنا قد شاهدناكم وقاتلنا معكم، وبمكاننا غلبتم عدوّكم وبنا نصرتم عليه. ونصب أَشِحَّةً على الحال أو على الذمّ. وقرئ : أشحة، بالرفع. وصلقوكم بالصاد. فإن قلت : هل يثبت للمنافق عمل حتى يرد عليه الإحباط؟ قلت : لا ولكنه تعلم لمن عسى يظن أنّ الإيمان باللسان إيمان وإن لم يوطئه القلب، وأن ما يعمل المنافق من الأعمال يجدى عليه، فبين أنّ إيمانه ليس بإيمان، وأنّ كل عمل يوجد منه باطل. وفيه بعث على إتقان المكلف أساس أمره وهو الإيمان الصحيح، وتنبيه على أن الأعمال الكثيرة من غير تصحيح المعرفة كالبناء على غير أساس، وأنها مما يذهب عند اللّه هباء منثورا.
فإن قلت : ما معنى قوله وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً وكل شيء عليه يسير؟ قلت : معناه : أن أعمالهم حقيقة بالإحباط، تدعو إليه الدواعي، ولا يصرف عنه صارف يَحْسَبُونَ أنّ الأحزاب لم ينهزموا، وقد انهزموا فانصرفوا عن الخندق إلى المدينة راجعين لما نزل بهم من الخوف الشديد ودخلهم من الجبن المفرط وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ كرّة ثانية، تمنوا لخوفهم مما منوا «١» به هذه الكرّة أنهم خارجون إلى البدو حاصلون بين الأعراب يَسْئَلُونَ كل قادم منهم من جانب المدينة عن أخباركم وعما جرى عليكم وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال - لم يقاتلوا إلا تعلة «٢» رياء وسمعة. وقرئ : بدّى، على فعّل جمع باد كغاز وغزّى. وفي رواية صاحب الإقليد : بدىّ، بوزن عدىّ. ويساءلون، أى : يتساءلون. ومعناه. يقول بعضهم لبعض :
ما ذا سمعت؟ ما ذا بلغك؟ أو يتساءلون الأعراب كما تقول : رأيت الهلال وتراءيناه : كان عليكم أن تواسوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأنفسكم فتوازروه وتثبتوا معه، كما آساكم بنفسه في

__
(١). قوله «مما منوا به» أى ابتلوا به. (ع)
(٢). قوله «إلا تعلة» في الصحاح : علله بالشيء، أى : لهاه به، كما يعلل الصبى بشيء من الطعام يتجزأ به عن اللبن. يقال : فلان يعلل نفسه بتعلة. (ع)


الصفحة التالية
Icon