جماعة واحدة منهم، تسوية بين جميعهم في أنهم على الحق المبين إِنِ اتَّقَيْتُنَّ إن أردتن التقوى، وإن كنتن «١» متقيات فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فلا تجبن بقولكن خاضعا، أى : لينا خنثا مثل كلام المربيات والمومسات فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ أى ريبة وفجور. وقرئ بالجزم، عطفا على محل فعل النهى، على أنهن نهين عن الخضوع بالقول. ونهى المريض القلب عن الطمع، كأنه قيل : لا تخضعن فلا يطمع. وعن ابن محيصن أنه قرأ بكسر الميم، وسبيله ضم الياء مع كسرها وإسناد الفعل إلى ضمير القول، أى : فيطمع القول المريب قَوْلًا مَعْرُوفاً بعيدا من طمع المريب بجد وخشونة من غير تخنث، أو قولا حسنا مع كونه خشنا.
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٣]
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (٣٣)
وَقَرْنَ بكسر القاف، من وقر يقر وقارا. أو من قرّ يقرّ، حذفت الأولى من رائى :
أقررن، ونقلت كسرتها إلى القاف، كما تقول : ظلن، وقرن : بفتحها، وأصله : أقررن، فحذفت الراء وألقيت فتحتها على ما قبلها، كقولك : ظلن، وذكر أبو الفتح الهمداني في كتاب التبيان :
وجها آخر، قال : قار يقار : إذا اجتمع. ومنه. القارة، لاجتماعها، ألا ترى إلى قول عضل والديش «٢» : اجتمعوا فكونوا قارة. والْجاهِلِيَّةِ الْأُولى هي القديمة التي يقال لها الجاهلية الجهلاء، وهي الزمن الذي ولد فيه إبراهيم عليه السلام : كانت المرأة تلبس الدرع من اللؤلؤ فتمشى وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال، وقيل : ما بين آدم ونوح. وقيل : بين إدريس ونوح. وقيل : زمن داود وسليمان، والجاهلية الأخرى : ما بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام. ويجوز أن تكون الجاهلية الأولى : جاهلية الكفر قبل الإسلام. والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق والفجور في الإسلام، فكأن المعنى : ولا تحدثن بالتبرج جاهلية في الإسلام تتشبهن بها بأهل جاهلية الكفر. ويعضده ما روى : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لأبى الدرداء رضى اللّه عنه «إن فيك جاهلية» قال جاهلية كفر أم إسلام؟ فقال «بل جاهلية كفر» «٣»
(١). قوله «و إن كنتن متقيات» لعله «أو إن» كعبارة النسفي. (ع)
(٢). قوله «إلى قول عضل والديش» في الصحاح «عضل» : قبيلة، وهو عضل بن الهون بن خزيمة أخو الديش، وهما القارة. وفيه أيضا «الديش بن الهون بن خزيمة» وربما قالوه بفتح الدال، وهو أحد القارة، والآخر عضل ابن الهون، يقال لهما جميعا : القارة. (ع)
(٣). لم أجده عن أبى الدرداء، وإنما هو في الصحيحين عن أبى ذر. ولم يقل جاهلية كفر... إلى آخره.