لم يصح ولم يسد كلاما، فتبين أن ما يتخيل من السؤال مضمحل، وأن الصحيح الذي لا يجوز غيره ما جاء عليه كلام اللّه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ١٨ إلى ١٩]
وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩)
الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها وهي قرى الشام قُرىً ظاهِرَةً متواصلة، يرى بعضها من بعض لتقاربها، فهي ظاهرة لأعين الناظرين. أو راكبة متن الطريق : ظاهرة للسابلة، لم تبعد عن مسالكهم حتى تخفى عليهم وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ قيل : كان الغادي منهم يقيل في قرية، والرائح يبيت في قرية إلى أن يبلغ الشام لا يخاف جوعا ولا عطشا ولا عدوا، ولا يحتاج إلى حمل زاد ولا ماء سِيرُوا فِيها وقلنا لهم : سيروا : ولا قول ثم، ولكنهم لما مكنوا من السير وسويت لهم أسبابه، كأنهم أمروا بذلك وأذن لهم فيه. فإن قلت : ما معنى قوله لَيالِيَ وَأَيَّاماً؟ قلت : معناه سيروا فيها، إن شئتم بالليل وإن شئتم بالنهار، فإن الأمن فيها لا يختلف باختلاف الأوقات. أو سيروا فيها آمنين لا تخافون، وإن تطاولت مدة سفركم فيها وامتدت أياما وليالي. أو سيروا فيها لياليكم وأيامكم مدة أعماركم، فإنكم في كل حين وزمان، لا تلقون فيها إلا الأمن. قرئ : ربنا باعد بين أسفارنا. وبعد. ويا ربنا، على الدعاء، بطروا النعمة، وبشموا من طيب العيش «١»، وملوا العافية، فطلبوا الكد والتعب كما طلب بنو إسرائيل البصل والثوم مكان المنّ والسلوى، وقالوا : لو كان جنى جناننا أبعد كان أجدر أن نشتهيه، وتمنوا أن يجعل اللّه بينهم وبين الشأم مفاوز ليركبوا الرواحل فيها ويتزودوا الأزواد، فجعل اللّه لهم الإجابة. وقرئ ربنا بعد بين أسفارنا، وبعد بين أسفارنا على النداء، وإسناد الفعل إلى بين ورفعه به، كما تقول : سير فرسخان، وبوعد بين أسفارنا. وقرئ : ربنا باعد بين أسفارنا. وبين سفرنا. وبعد، برفع ربنا على الابتداء، والمعنى خلاف الأوّل، وهو استبعاد مسايرهم على قصرها ودنوّها لفرط تنعمهم وترفههم، كأنهم كانوا يتشاجون «٢» على ربهم
(١). قوله «و بشموا من طيب العيش» بشموا، أى : سئموا. أفاده الصحاح. (ع)
(٢). قوله «كأنهم كانوا يتشاجون» في الصحاح «الشجو» : الهم والحزن. (ع)