تقول : الشفاعة لزيد، على معنى أنه الشافع، كما تقول : الكرم لزيد : وعلى معنى أنه المشفوع له، كما تقول : القيام لزيد، فاحتمل قوله وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ أن يكون على أحد هذين الوجهين، أى : لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمن أذن له من الشافعين ومطلقة له.
أو لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمن أذن له، أى : لشفيعه، أو هي اللام الثانية في قولك : أذن لزيد لعمرو، أى لأجله، وكأنه قيل : إلا لمن وقع الإذن للشفيع لأجله، وهذا وجه لطيف وهو الوجه، وهذا تكذيب لقولهم : هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه. فإن قلت : بما اتصل قوله حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ولأى شيء وقعت حتى غاية؟ قلت : بما فهم من هذا الكلام، من أنّ ثم انتظارا للإذن وتوقعا وتمهلا وفزعا من الراجين للشفاعة والشفعاء، هل يؤذن لهم أو لا يؤذن؟ وأنه لا يطلق الإذن إلا بعد ملي من الزمان، وطول من التربص، ومثل هذه الحال دلّ عليه قوله عز وجلّ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً. يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً كأنه قيل : يتربصون ويتوقفون كليا فزعين وهلين، حتى إذا فزع عن قلوبهم، أى : كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن : تباشروا بذلك وسأل بعضهم بعضا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا قال الْحَقَّ أى القول الحق، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى. وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما عن النبي صلى اللّه عليه وسلم «فإذا أذن لمن أذن أن يشفع فزعته الشفاعة «١»» وقرئ أذن له، أى : أذن له اللّه، وأذن له على البناء للمفعول. وقرأ الحسن : فزع، مخففا، بمعنى فزع. وقرئ فزع، على البناء للفاعل، وهو اللّه وحده، وفرّع، أى : نفى الوجل عنها وأفنى، من قولهم : فرغ الزاد، إذا لم يبق منه شيء، ثم ترك ذكر الوجل وأسند إلى الجار والمجرور، كما تقول : دفع إلىّ زيد، إذا علم ما المدفوع وقد تخفف، وأصله : فرغ الوجل عنها، أى : انتفى عنها، وفنى ثم حذف الفاعل وأسند إلى الجار والمجرور. وقرأ : افرنقع عن قلوبهم، بمعنى : انكشف عنها.
وعن أبى علقمة أنه هاج به المرار «٢» فالتف عليه الناس، فلما أفاق قال : ما لكم تكأكأتم علىّ تكأكؤكم على ذى جنة؟ افرنقعوا عنى. والكلمة مركبة من حروف المفارقة مع زيادة العين، كما ركب «اقمطر» من حروف القمط، مع زيادة الراء. وقرئ الحق بالرفع، أى : مقوله الحق وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ذو العلو والكبرياء، ليس لملك ولا نبىّ أن يتكلم ذلك اليوم إلا بإذنه، وأن يشفع إلا لمن ارتضى.
(١). لم أجده
(٢). قوله «أنه هاج به المرار» في الصحاح «المرار» بضم الميم : شجر مر، إذا أكلت منه الإبل قلصت عنه مشافرها. ومنه : بنو آكل المرار : وهم قوم من العرب. (ع)