جهة مكركم لنا دائبا ليلا ونهارا، وحملكم إيانا على الشرك واتخاذ الأنداد. ومعنى مكر الليل والنهار : مكركم في الليل والنهار، فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به وإضافة المكر إليه. أو جعل ليلهم ونهارهم ماكرين على الإسناد المجازى. وقرئ : بل مكر الليل والنهار بالتنوين ونصب الظرفين. وبل مكرّ الليل والنهار بالرفع والنصب. أى تكرّون الإغواء مكرّا دائبا لا تفترون عنه. فإن قلت : ما وجه الرفع والنصب؟ قلت : هو مبتدأ أو خبر، على معنى : بل سبب ذلك مكركم أو مكرّكم، أو مكركم أو مكرّكم سبب ذلك. والنصب على : بل تكرّون الإغواء مكرّ الليل والنهار : فإن قلت : لم قيل : قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا، بغير عاطف، وقيل وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا؟ قلت : لأن الذين استضعفوا مرّ أولا كلامهم، فجيء بالجواب محذوف العاطف على طريقة الاستئناف، ثم جيء بكلام آخر للمستضعفين، فعطف على كلامهم الأوّل فإن قلت : من صاحب الضمير في وَأَسَرُّوا قلت : الجنس المشتمل على النوعين من المستكبرين والمستضعفين، وهم الظالمون في قوله إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يندم المستكبرون على ضلالهم وإضلالهم، والمستضعفون على ضلالهم واتباعهم المضلين فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا أى في أعناقهم، فجاء بالصريح للتنويه بذمهم، وللدلالة على ما استحقوا به الأغلال. وعن قتادة : أسروا الكلام بذلك بينهم. وقيل : أسروا الندامة أظهروها، وهو من الأضداد.
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٣٤ إلى ٣٥]
وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥)
هذه تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مما منى «١» به من قومه من التكذيب والكفر بما جاء به، والمنافسة بكثرة الأموال والأولاد، والمفاخرة «٢» وزخارفها، والتكبر بذلك على المؤمنين، والاستهانة بهم من أجله، وقولهم أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا وأنه لم يرسل قط إلى أهل قرية من نذير إلا قالوا له مثل ما قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أهل مكة وكادوه بنحو ما كادوه به، وقاسوا أمر الآخرة الموهومة أو المفروضة عندهم على أمر الدنيا، واعتقدوا أنهم لو لم يكرموا على اللّه لما رزقهم، ولولا أنّ المؤمنين هانوا عليه لما حرمهم، فعلى قياسهم ذلك قالوا وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ أرادوا أنهم أكرم على اللّه من أن يعذبهم، نظرا إلى أحوالهم في الدنيا.
(١). قوله «مما منى به من قومه» أى ابتلى به. (ع)
(٢). قوله «و المفاخرة وزخارفها» لعله «و المفاخرة بالدنيا وزخارفها». (ع)