اللّه الموتى وتلك آيته في خلقه «١» وقيل يحيى اللّه الخلق» بماء يرسله من تحت العرش كمنى الرجال، تنبت منه أجساد الخلق.
[سورة فاطر (٣٥) : آية ١٠]
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠)
كان الكافرون يتعززون بالأصنام، كما قال عز وجل وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا والذين آمنوا بألسنتهم من غير مواطأة قلوبهم : كانوا يتعززون بالمشركين، كما قال تعالى الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً فبين أن لا عزة إلا للّه ولأوليائه. وقال وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمعنى فليطلبها عند اللّه، فوضع قوله فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً موضعه، استغناء به عنه لدلالته عليه، لأن الشيء لا يطلب إلا عند صاحبه ومالكه. ونظيره قولك : من أراد النصيحة فهي عند الأبرار، تريد :
فليطلبها عندهم، إلا أنك أقمت ما يدل عليه مقامه. ومعنى فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً أنّ العزة كلها مختصة باللّه : عزة الدنيا وعزة الآخرة. ثم عرف أن ما تطلب به العزة هو الإيمان والعمل الصالح بقوله إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ والكلم الطيب : لا إله إلا اللّه. عن ابن عباس رضى اللّه عنهما : يعنى أنّ هذه الكلم لا تقبل. ولا تصعد إلى السماء فتكتب حيث تكتب الأعمال المقبولة، كما قال عز وجل إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ إلا إذا اقترن بها العمل الصالح الذي يحققها ويصدقها فرفعها وأصعدها. وقيل : الرافع الكلم، والمرفوع العمل، لأنه لا يقبل عمل إلا من موحد. وقيل : الرافع هو اللّه تعالى، والمرفوع العمل. وقيل : الكلم الطيب : كل ذكر من تكبير وتسبيح وتهليل وقراءة قرآن ودعاء واستغفار وغير ذلك. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم :«هو قول الرجل سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر إذا قالها العبد عرج بها الملك إلى السماء فحيا بها وجه الرحمن فإذا لم يكن عمل صالح لم يقبل «٢» منه» وفي الحديث «لا يقبل
(١). أخرجه أحمد وإسحاق وابن أبى شيبة والحاكم والبيهقي في البعث كلهم من طريق حماد بن سلمة عن يعلى ابن عطاء عن وكيع بن عدى عن عمه أبى رزين العقيلي أنه قال «يا رسول اللّه أكلنا يرى ربه يوم القيامة. وما آية ذلك في خلقه؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : أليس كلكم ينظر إلى القمر مختليا به؟ قالوا بلى. قال : فاللّه أعظم. قال : قلت : يا رسول اللّه، كيف يحيى اللّه الموتى. وما آية ذلك في خلقه؟ قال : أما مررت بوادي أهلك ممحلا؟ قال : بلى. قال ثم مررت به يهتز خضرا؟ قال : قلت : بلى. قال : فكذلك يحيى اللّه الموتى. وذلك آية في خلقه» وأوله في سنن أبى داود وابن ماجة دون مقصود الكتاب. [.....]
(٢). أخرجه الثعلبي وابن مردويه من رواية على بن عاصم عن سهيل عن أبيه عن أبى هريرة مرفوعا، ورواه الحاكم والبيهقي في الأسماء والطبري مرفوعا عن ابن مسعود رضى اللّه عنه.