قولهم اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ بقوله تعالى وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْ ءٍ.
فإن قلت : ما الفرق بين معنى قوله وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وبين معنى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْ ءٌ؟ قلت : الأول في الدلالة على عدل اللّه تعالى في حكمه، وأنه تعالى لا يؤاخذ نفسا بغير ذنبها، والثاني في أن لا غياث يومئذ لمن استغاث، حتى أن نفسا قد أثقلها الأوزار وبهظتها، لو دعت إلى أن يخفف بعض وقرها لم تجب ولم تغث، وإن كان المدعو بعض قرابتها من أب أو ولد أو أخ. فإن قلت : إلام أسند كان في وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى ؟
قلت : إلى المدعو المفهوم من قوله وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ. فإن قلت : فلم ترك ذكر المدعو؟ قلت :
ليعمّ، ويشمل كل مدعوّ. فإن قلت : كيف استقام إضمار العام؟ ولا يصح أن يكون العام ذا قربى للمثقلة؟ قلت : هو من العموم الكائن على طريق البدل. فإن قلت : ما تقول فيمن قرأ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى على كان التامّة، كقوله تعالى وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ؟ قلت : نظم الكلام أحسن ملاءمة للناقصة، لأنّ المعنى على أن المثقلة إن دعت أحدا إلى حملها لا يحمل منه شيء، وإن كان مدعوّها ذا قربى، وهو معنى صحيح ملتئم، ولو قلت : ولو وجد ذو قربى، لتفكك وخرج من اتساقه والتئامه «١»، على أنّ هاهنا ما ساغ أن يستتر له ضمير في الفعل بخلاف ما أوردته بِالْغَيْبِ حال من الفاعل أو المفعول، أى : يخشون ربهم غائبين عن عذابه أو يخشون عذابه غائبا عنهم. وقيل : بالغيب في السر، وهذه صفة الذين كانوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أصحابه، فكانت عادتهم المستمرّة أن يخشوا اللّه، وهم الذين أقاموا الصلاة وتركوها منارا منصوبا وعلما مرفوعا، يعنى : إنما تقدر على إنذار هؤلاء وتحذيرهم من قومك، وعلى تحصيل منفعة الإنذار فيهم دون متمرّديهم وأهل عنادهم وَمَنْ تَزَكَّى ومن تطهر بفعل الطاعات وترك المعاصي. وقرئ : ومن ازكى فإنما يزكى، وهو اعتراض مؤكد لخشيتهم وإقامتهم الصلاة، لأنهما من جملة التزكى وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ وعد للمتزكين بالثواب. فإن قلت : كيف اتصل قوله إِنَّما تُنْذِرُ بما قبله؟ قلت : لما غضب عليهم في قوله إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أتبعه الإنذار بيوم القيامة وذكر أهوالها، ثم قال إِنَّما تُنْذِرُ كأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أسمعهم ذلك، فلم ينفع، فنزل إِنَّما تُنْذِرُ أو أخبره اللّه تعالى بعلمه فيهم.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ١٩ إلى ٢٣]
وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (٢٠) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (٢١) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (٢٣)

__
(١). قوله «و خرج من اتساقه والتئامه» أى : انتظامه. (ع)


الصفحة التالية
Icon