أى : يتذكر ويتأمّل فيبذل النصفة من نفسه والإذعان للحق أَوْ يَخْشى أن يكون الأمر كما تصفان، فيجرّه إنكاره إلى الهلكة.
[سورة طه (٢٠) : آية ٤٥]
قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥)
فرط : سبق وتقدّم. ومنه الفارط : الذي يتقدّم الواردة. وفرس فرط : يسبق الخيل، أى : نخاف أن يعجل علينا بالعقوبة ويبادرنا بها. وقرئ يَفْرُطَ من أفرطه غيره إذا حمله على العجلة. خافا أن يحمله حامل على المعاجلة بالعقاب «١» من شيطان، أو من جبروته واستكباره وادّعائه الربوبية. أو من حبه الرياسة، أو من قومه القبط المتمرّدين الذين حكى عنهم ربّ العزّة قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ وقرئ : يفرط، من الإفراط في الأذية، أى : نخاف أن يحول بيننا وبين تبليغ الرسالة بالمعاجلة. أو يجاوز الحدّ في معاقبتنا إن لم يعاجل، بناء على ما عرفا وجرّبا من شرارته وعتوّه أَوْ أَنْ يَطْغى بالتخطي إلى أن يقول فيك ما لا ينبغي، لجرأته عليك وقسوة قلبه. وفي المجيء به هكذا على الإطلاق وعلى سبيل الرمز : باب من حسن الأدب وتحاش عن التفوّه بالعظيمة.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٤٦ إلى ٤٨]
قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨)
مَعَكُما أى حافظكما وناصركما أَسْمَعُ وَأَرى ما يجرى بينكما وبينه من قول وفعل، فأفعل ما يوجبه حفظي ونصرتي لكما، فجائز أن يقدّر أقوالكم وأفعالكم، وجائز أن لا يقدّر شيء، وكأنه قيل : أنا حافظ لكما وناصر سامع مبصر. وإذا كان الحافظ والناصر كذلك، تمّ الحفظ وصحت النصرة، وذهبت المبالاة بالعدّو. كانت بنو إسرائيل في ملكة فرعون والقبط، يعذبونهم بتكليف الأعمال الصعبة : من الحفر والبناء ونقل الحجارة، والسخرة في كل شيء، مع قتل الولدان، واستخدام النساء قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ جملة جارية من الجملة الأولى

__
(١). قال محمود :«معنى يفرط علينا يعجل بعقوبتنا... الخ» قال أحمد : وإذا روعي في الأدب إطلاق هذه اللفظة عن مجروريها، فلا يبعد أن يراعى في الأدب بالاعتراف بتقلد منة اللّه عز وجلّ زيادة المجرور في قوله اشْرَحْ لِي صَدْرِي كما قدمته آنفا، واللّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon