فإن قلت : قوله لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ كأن لعنة إبليس غايتها يوم الدين ثم تنقطع؟ قلت :
كيف تنقطع وقد قال اللّه تعالى فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ولكن المعنى :
أن عليه اللعنة في الدنيا، فإذا كان يوم الدين اقترن له باللعنة ما ينسى عنده اللعنة، فكأنها انقطعت.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٧٩ إلى ٨١]
قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٨١)
فإن قلت : ما الوقت المعلوم الذي أضيف إليه اليوم؟ قلت : الوقت الذي تقع فيه النفخة الأولى. ويومه : اليوم الذي وقت النفخة جزء من أجزائه. ومعنى المعلوم : أنه معلوم عند اللّه معين، لا يستقدم ولا يستأخر.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٨٢ إلى ٨٣]
قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣)
فَبِعِزَّتِكَ إقسام بعزة اللّه تعالى وهي سلطانه وقهره.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٨٤ إلى ٨٥]
قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥)
قرئ : فالحق والحق، منصوبين على أن الأول مقسم به كاللّه في
إن عليك اللّه أن تبايعا
وجوابه لَأَمْلَأَنَّ والحق أقول : اعتراض بين المقسم به والمقسم عليه، ومعناه : ولا أقول إلا الحق. والمراد بالحق : إمّا اسمه عزّ وعلا الذي في قوله أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ أو الحق الذي هو نقيض الباطل : عظمه اللّه بإقسامه به. ومرفوعين على أن الأوّل مبتدأ محذوف الخبر، كقوله لَعَمْرُكَ أى : فالحق قسمي لأملأنّ. والحق أقول، أى : أقوله كقوله كله لم أصنع، ومجرورين : على أن الأوّل مقسم به قد أضمر حرف قسمه، كقولك : اللّه لأفعلنّ.
والحق أقول، أى : ولا أقول إلا الحق على حكاية لفظ المقسم به. ومعناه : التوكيد والتشديد.
وهذا الوجه جائز في المنصوب والمرفوع أيضا. وهو وجه دقيق حسن. وقرئ يرفع الأوّل وجرّه مع نصب الثاني، وتخريجه على ما ذكرنا مِنْكَ من جنسك وهم الشياطين وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ من ذرّية آدم. فإن قلت : أَجْمَعِينَ تأكيد لما ذا؟ قلت : لا يخلو أن يؤكد به الضمير في منهم، أو الكاف في منك مع من تبعك. ومعناه : لأملأن جهنم من المتبوعين والتابعين أجمعين، لا أترك منهم أحدا. أو لأملأنها من الشياطين وممن تبعهم من جميع الناس، لا تفاوت في ذلك بين ناس وناس بعد وجود الأتباع منهم من أولاد الأنبياء وغيرهم.