وَمِنْ تَحْتِهِمْ أطباق من النار هي ظُلَلٌ لآخرين ذلِكَ العذاب هو الذي يتوعد اللّه بِهِ عِبادَهُ ويخوّفهم، ليجتنبوا ما يوقعهم فيه يا عِبادِ فَاتَّقُونِ ولا تتعرّضوا لما يوجب سخطى، وهذه عظة من اللّه تعالى ونصيحة بالغة. وقرئ : يا عبادي.
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ١٧ إلى ١٨]
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨)
الطَّاغُوتَ فعلوت من الطغيان كالملكوت والرحموت، إلا أن فيها قلبا بتقديم اللام على العين، أطلقت على الشيطان أو الشياطين، لكونها مصدرا وفيها مبالغات، وهي التسمية بالمصدر، كأن عين الشيطان طغيان، وأنّ البناء بناء مبالغة، فإنّ الرحموت : الرحمة الواسعة، والملكوت : الملك المبسوط، والقلب وهو للاختصاص، إذ لا تطلق على غير الشيطان، والمراد بها هاهنا الجمع. وقرئ : الطواغيت أَنْ يَعْبُدُوها بدل من الطاغوت بدل الاشتمال لَهُمُ الْبُشْرى هي البشارة بالثواب، كقوله تعالى هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ
اللّه عزّ وجل يبشرهم بذلك في وحيه على ألسنة رسله، وتتلقاهم الملائكة عند حضور الموت مبشرين، وحين يحشرون. قال اللّه تعالى يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ وأراد بعباده الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ الذين اجتنبوا وأنابوا لا غيرهم، وإنما أراد بهم أن يكونوا مع الاجتناب والإنابة على هذه الصفة، فوضع الظاهر موضع الضمير، وأراد أن يكونوا نقادا في الدين يميزون بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل، فإذا اعترضهم أمران : واجب وندب، اختاروا الواجب، وكذلك المباح والندب، حرّاصا على ما هو أقرب عند اللّه وأكثر ثوابا، ويدخل تحته المذاهب واختيار أثبتها على السبك وأقواها عند السبر «١»، وأبينها دليلا أو أمارة، وأن لا تكون في مذهبك، كما قال القائل :
ولا تكن مثل عير قيد فانقادا «٢»

__
(١). قال محمود :«يدخل تحت هذا المذاهب واختيار أثبتها على السبك وأقواها عند السبر... الخ» قال أحمد : لقد كنت أطمع لعله رجع عما ضمن هذا الكتاب من المذاهب الرديئة والمعتقدات الفاسدة، حتى حققت من كلامه هذا أن ذلك التصميم كان متمكنا من فؤاده الصميم، فلا حول ولا قوة إلا باللّه العلى العظيم.
(٢) شمر وكن في أمور الدين مجتهدا ولا تكن مثل عير قيد فانقادا
للزمخشري. تشمير الثياب عن الساعد : كناية عن ترك الكسل، ثم قال : واجتهد في أحكام الدين ولا تقلد غيرك، فتكون مثل حمار قاده الشخص فانقاد وطاوعه أينما يوجهه. ويحتمل أن المعنى : اجتهد في العمل ولا تطع الشيطان.


الصفحة التالية
Icon