أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً هو المطر. وقيل : كل ماء في الأرض فهو من السماء ينزل منها إلى الصخرة، ثم يقسمه اللّه فَسَلَكَهُ فأدخله ونظمه يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ عيونا ومسالك ومجارى كالعروق في الأجساد مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ هيئاته من خضرة وحمرة وصفرة وبياض وغير ذلك، وأصنافه من برّ وشعير وسمسم وغيرها يَهِيجُ يتم جفافه، عن الأصمعى، لأنه إذا تم جفافه حان له أن يثور عن منابته ويذهب حُطاماً فتاتا ودرينا «١» إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لتذكيرا وتنبيها، على أنه لا بدّ من صانع حكيم، وأن ذلك كائن عن تقدير وتدبير، لا عن تعطيل وإهمال.
ويجوز أن يكون مثلا للدنيا، كقوله تعالى إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا، وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا. وقرئ : مصفارّا.
[سورة الزمر (٣٩) : آية ٢٢]
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٢)
أَفَمَنْ عرف اللّه أنه من أهل اللطف فلطف به حتى انشرح صدره للإسلام ورغب فيه وقبله كمن لا لطف له فهو حرج الصدر قاسى القلب، ونور اللّه : هو لطفه، وقرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية فقيل يا رسول اللّه : كيف انشراح الصدر؟ قال «إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح «٢» فقيل : يا رسول اللّه، فما علامة ذلك؟ قال «الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والتأهب للموت قبل نزول الموت» وهو نظير قوله : أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ في حذف الخبر مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ من أجل ذكره، أى : إذا ذكر اللّه عندهم أو آياته اشمأزوا وازدادت قلوبهم قساوة، كقوله تعالى فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وقرئ : عن ذكر اللّه.
فإن قلت : ما الفرق بين من وعن في هذا؟ «قلت» : إذا قلت : قسا قلبه من ذكر اللّه، فالمعنى ما ذكرت، من أن القسوة من أجل الذكر وبسببه، وإذا قلت : عن ذكر اللّه، فالمعنى : غلظ عن قبول الذكر وجفا عنه. ونظيره : سقاه من العيمة، أى من أجل عطشه، وسقاه عن العيمة :
إذا أرواه حتى أبعده عن العطش.
[سورة الزمر (٣٩) : آية ٢٣]
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٢٣)
(١). قوله «فتاتا ودرينا» في الصحاح «الدرين» : خطام المرعى إذا قدم، وهو ما يلي من الحشيش. (ع)
(٢). أخرجه الثعلبي والحاكم والبيهقي في الشعب من حديث ابن مسعود. وفيه أبو فروة الرهاوي فيه كلام.
ورواه الترمذي الحكيم في النوادر في الأصل السادس والثمانين. وفي إسناده إبراهيم بن [بياض بالأصل.] وهو ضعيف. [.....]