ويغرسه في صدورهم. اقشعر الجلد : إذا تقبض تقبضا شديدا، وتركيبه من حروف القشع وهو الأديم اليابس، مضموما إليها حرف رابع وهو الراء، ليكون رباعيا ودالا على معنى زائد. يقال : اقشعر جلده من الخوف وقف شعره، «١» وهو مثل في شدّة الخوف، فيجوز أن يريد به اللّه سبحانه التمثيل، تصويرا لإفراط خشيتهم، وأن يريد التحقيق. والمعنى : أنهم إذا سمعوا بالقرآن وبآيات وعيده : أصابتهم خشية تقشعر منها جلودهم، ثم إذا ذكروا اللّه ورحمته وجوده بالمغفرة : لانت جلودهم وقلوبهم وزال عنها ما كان بها من الخشية والقشعريرة.
فإن قلت : ما وجه تعدية «لان» بإلى؟ قلت : ضمن معنى فعل متعدّ بإلى، كأنه قيل : سكنت. أو اطمأنت إلى ذكر اللّه لينة غير متقبضة، راجية غير خاشية. فإن قلت : لم اقتصر على ذكر اللّه من غير ذكر الرحمة؟ قلت : لأنّ أصل أمره الرحمة والرأفة، ورحمته هي سابقة غصبه، فلأصالة رحمته إذا ذكر لم يخطر بالبال قبل كل شيء من صفاته إلا كونه رءوفا رحيما. فإن قلت : لم ذكرت الجلود وحدها أوّلا، ثم قرنت بها القلوب ثانيا؟ قلت : إذا ذكرت الخشية التي محلها القلوب، فقد ذكرت القلوب، فكأنه قيل : تقشعر جلودهم من آيات الوعيد، وتخشى قلوبهم في أوّل وهلة، فإذا ذكروا اللّه ومبنى أمره على الرأفة والمرحمة : استبدلوا بالخشية رجاء في قلوبهم، وبالقشعريرة لينا في جلودهم ذلِكَ إشارة إلى الكتاب، وهو هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ يوفق به من يشاء، يعنى : عباده المتقين، حتى يخشوا تلك الخشية ويرجوا ذلك الرجاء، كما قال : هدى للمتقين وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ ومن يخذله من الفساق «٢» والفجرة فَما لَهُ مِنْ هادٍ أو ذلك الكائن من الخشية والرجاء هدى اللّه، أى : أثر هداه وهو لطفه، فسماه هدى لأنه حاصل بالهدى يَهْدِي بِهِ بهذا الأثر من يشاء من عباده، يعنى : من صحب أولئك ورءاهم خاشين راجين، فكان ذلك مرغبا لهم في الاقتداء بسيرتهم وسلوك طريقتهم وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ : ومن لم يؤثر فيه ألطافه لقسوة قلبه وإصراره على فجوره، فَما لَهُ مِنْ هادٍ من مؤثر فيه بشيء قط.
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٢٤ إلى ٢٦]
أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦)
(١). قوله «وقف شعره» أى : قام من الفزع، كذا في الصحاح. (ع)
(٢). قوله «و من يخذله من الفساق» تأويل الضلال بذلك مبنى على مذهب المعتزلة أن اللّه لا يخلق الشر. وعند أهل السنة : أنه يخلقه كالخير، فالاضلال : خلق الضلال في القلب. (ع)