[سورة غافر (٤٠) : الآيات ١٣ إلى ١٦]

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (١٦)
يُرِيكُمْ آياتِهِ من الريح والسحاب والرعد والبرق والصواعق ونحوها. والرزق : المطر، لأنه سببه وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ وما يتعظ وما يعتبر بآيات اللّه إلا من يتوب من الشرك ويرجع إلى اللّه، فإن المعاند لا سبيل إلى تذكره واتعاظه، ثم قال للمنيبين فَادْعُوا اللَّهَ أى اعبدوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ من الشرك. وإن غاظ ذلك أعداءكم ممن ليس على دينكم. رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ ثلاثة أخبار، لقوله «هو» مترتبة على قوله الَّذِي يُرِيكُمْ أو أخبار مبتدإ محذوف، وهي مختلفة تعريفا وتنكيرا. وقرئ : رفيع الدرجات بالنصب على المدح. ورفيع الدرجات، كقوله تعالى ذِي الْمَعارِجِ وهي مصاعد الملائكة إلى أن تبلغ العرش، وهي دليل على عزته وملكوته. وعن ابن جبير : سماء فوق سماء. والعرش فوقهن. ويجوز أن يكون عبارة عن رفعة شأنه وعلوّ سلطانه، كما أنّ ذا العرش عبارة عن ملكه. وقيل : هي درجات ثوابه التي ينزلها أولياءه في الجنة الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ الذي هو سبب الحياة من أمره، يريد : الوحى الذي هو أمر بالخير وبعث عليه، فاستعار له الروح، كما قال تعالى أَوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ لِيُنْذِرَ اللّه. أو الملقى عليه : وهو الرسول أو الروح. وقرئ : لتنذر، أى : لتنذر الروح لأنها تؤنث، أو على خطاب الرسول. وقرئ : لينذر يوم التلاق، على البناء للمفعول ويَوْمَ التَّلاقِ يوم القيامة، لأن الخلائق تلتقي فيه. وقيل : يلتقى فيه أهل السماء وأهل الأرض. وقيل :
المعبود والعابد يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ ظاهرون لا يسترهم شيء من جبل أو أكمة أو بناء، لأنّ الأرض بارزة قاع صفصف، ولا عليهم ثياب، إنما هم عراة مكشوفون، كما جاء في الحديث «يحشرون عراة حفاة غرلا» «١» لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ أى من أعمالهم وأحوالهم. وعن ابن مسعود رضى اللّه عنه : لا يخفى عليه منهم شيء. فإن قلت : قوله لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ :
بيان وتقرير لبروزهم، واللّه تعالى لا يخفى عليه منهم شيء برزوا أو لم يبرزوا، فما معناه؟ قلت :
معناه أنهم كانوا يتوهمون في الدنيا إذا استتروا بالحيطان والحجب : أنّ اللّه لا يراهم ويخفى عليه أعمالهم، فهم اليوم صائرون من البروز والانكشاف إلى حال لا يتوهمون فيها مثل ما كانوا يتوهمونه. قال اللّه تعالى : ولكن ظننتم أنّ اللّه لا يعلم كثيرا مما تعملون. وقال تعالى :
__
(١). متفق عليه من حديث عائشة رضى اللّه عنها.


الصفحة التالية
Icon