رَجُلٌ مُؤْمِنٌ وقرئ : رجل، بسكون الجيم كما يقال : عضد، في عضد وكان قبطيا ابن عم لفرعون :
آمن بموسى سرا وقيل كان إسرائيليا ومِنْ آلِ فِرْعَوْنَ صفة لرجل. أو صلة ليكتم، أى :
يكتم إيمانه من آل فرعون، واسمه : سمعان أو حبيب. وقيل : خربيل، أو حزبيل. والظاهر :
أنه كان من آل فرعون، فإنّ المؤمنين من بنى إسرائيل لم يقلوا ولم يعزوا. والدليل عليه قول فرعون : أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ. وقول المؤمن فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا دليل ظاهر على أنه ينتصح لقومه أَنْ يَقُولَ لأن يقول. وهذا إنكار منه عظيم وتبكيت شديد، كأنه قال : أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة، وما لكم علة قط في ارتكابها إلا كلمة الحق التي نطق بها وهي قوله رَبِّيَ اللَّهُ مع أنه لم يحضر لتصحيح قوله بينة واحدة، ولكن بينات عدّة من عند من نسب إليه الربوبية، وهو ربكم لا ربه وحده، وهو استدراج لهم إلى الاعتراف به، وليلين بذلك جماحهم ويكسر من سورتهم «١»، ولك أن تقدر مضافا محذوفا، أى : وقت أن تقول. والمعنى. أتقتلونه ساعة سمعتم منه هذا القول من غير روية ولا فكر في أمره. وقوله بِالْبَيِّناتِ يريد بالبينات العظيمة التي عهدتموها وشهدتموها، ثم أخذهم بالاحتجاج على طريقة التقسيم فقال : لا يخلو من أن يكون كاذبا أو صادقا، وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ أى يعود عليه كذبه ولا يتخطاه ضرره، وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ما يعدكم إن تعرّضتم له. فإن قلت : لم قال : بعض الَّذِي يَعِدُكُمْ وهو نبىّ صادق، لا بد لما يعدهم أن يصيبهم

__
(١). قال محمود :«الظاهر أن الرجل من آل فرعون، وقيل : إنه من بنى إسرائيل. ومن آل فرعون : متعلق بيكتم، تقديره : يكتم إيمانه من آل فرعون، وهو بعيد، لأن بنى إسرائيل كان إيمانهم ظاهرا فاشيا، ولقد استدرجهم هذا المؤمن في الايمان باستشهاده على صدق موسى بإحضاره عليه السلام من عند من تنسب إليه الربوبية ببينات عدة لا بينة واحدة، وأتى بها معرفة، معناه : البينات العظيمة التي شهدتموها وعرفتموها على ذلك، ليلين بذلك جماحهم ويكسر من سورتهم... الخ» قال أحمد : لقد أحسن الفهم والتفطن لأسرار هذا القول، ويناسب تقديم الكاذب على الصادق هنا قوله تعالى وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ فقدم الشاهد أمارة صدقها على أمارة صدق يوسف، وإن كان الصادق هو يوسف دونها، لرفع التهمة وإبعاد الظن، وإدلالا بأن الحق معه، ولا يضره التأخير لهذه الفائدة.
وقريب من هذا التصرف لابعاد التهمة ما في قصة يوسف مع أخيه، إذ بدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه، حتى قيل :
إنه لما انتهى إليه قال : اللهم ما سرق هذا ولا هو بوجه سارق، فاطمأنت أنفسهم وانزاحت التهمة عن يوسف أن يكون قصد ذلك، فقالوا : واللّه لنفتشنه، فاستخرجها من وعائه.


الصفحة التالية
Icon