لتبصروا فيه، فاتت الفصاحة التي في الإسناد المجازى، ولو قيل : ساكنا - والليل يجوز أن يوصف بالسكون على الحقيقة، ألا ترى إلى قولهم : ليل ساج، وساكن لا ريح فيه - لم تتميز الحقيقة من المجاز. فإن قلت : فهلا قيل : لمفضل، أو لمتفضل؟ قلت : لأن الغرض تنكير الفضل، وأن يجعل فضلا لا يوازيه فضل، وذلك إنما يستوي بالإضافة. فإن قلت : فلو قيل :
ولكن أكثرهم، فلا يتكرر ذكر الناس؟ قلت : في هذا التكرير تخصيص لكفران النعمة بهم، وأنهم هم الذين يكفرون فضل اللّه ولا يشكرونه، كقوله : إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ، إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ، إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ.
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٦٢ إلى ٦٣]
ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٦٣)
ذلِكُمُ المعلوم المتميز بالأفعال الخاصة التي لا يشاركه فيها أحد هو اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ أخبار مترادفة، أى : هو الجامع لهذه الأوصاف من الإلهية والربوبية وخلق كل شيء وإنشائه لا يمتنع عليه شيء، والوحدانية : لا ثانى له فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ فكيف ومن أى وجه تصرفون عن عبادته إلى عبادة الأوثان. ثم ذكر أن كل من جحد بآيات اللّه ولم يتأملها ولم يكن فيه همة طلب الحق وخشية العاقبة : أفك كما أفكوا. وقرئ : خالق كل شيء، نصبا على الاختصاص. وتؤفكون : بالتاء والياء.
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٦٤ إلى ٦٥]
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٦٤) هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٥)
هذه أيضا دلالة أخرى على تمييزه بأفعال خاصة، وهي أنه جعل الأرض مستقرا وَالسَّماءَ بِناءً أى قبة. ومنه : أبنية العرب لمضاربهم، لأنّ السماء في منظر العين كقبة مضروبة على وجه الأرض فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وقرئ بكسر الصاد والمعنى واحد. قيل : لم يخلق حيوانا أحسن صورة من الإنسان : وقيل لم يخلقهم منكوسين كالبهائم، كقوله تعالى فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ فَادْعُوهُ فاعبدوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أى الطاعة من الشرك والرياء، قائلين الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما : من قال لا إله إلا اللّه. فليقل على أثرها : الحمد للّه رب العالمين «١».
(١). أخرجه الطبري، والحاكم أيضا، والبيهقي في الأسماء والصفات، وابن مردويه من رواية الأعمش عن مجاهد عنه. [.....]