وَآثاراً قصورهم ومصانعهم. وقيل : مشيهم بأرجلهم لعظم أجرامهم فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما نافية أو مضمنة معنى الاستفهام، ومحلها النصب، والثانية موصولة أو مصدرية ومحلها الرفع، يعنى أى شيء أغنى عنهم مكسوبهم أو كسبهم فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ فيه وجوه : منها أنه أراد العلم الوارد على طريق التهكم في قوله تعالى بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ : وعلمهم في الآخرة أنهم كانوا يقولون لا نبعث ولا نعذب، وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى، وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً وكانوا يفرحون بذلك ويدفعون به البينات وعلم الأنبياء، كما قال عز وجل كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ومنها : أن يريد علم الفلاسفة والدهريين من بنى يونان، وكانوا إذا سمعوا بوحي اللّه : دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم. وعن سقراط : أنه سمع بموسى صلوات اللّه عليه وسلامه، وقيل له.
لو هاجرت إليه فقال : نحن قوم مهذبون فلا حاجة بنا إلى من يهذبنا. ومنها : أن يوضع قوله فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ولا علم عندهم البتة، موضع قوله : يفرحوا بما جاءهم من العلم، مبالغة في نفى فرحهم بالوحي الموجب لأقصى الفرح والمسرة، مع تهكم بفرط جهلهم وخلوهم من العلماء. ومنها أن يراد : فرحوا بما عند الرسل من العلم فرح ضحك منه واستهزاء به، كأنه قال : استهزؤا بالبينات وبما جاءوا به من علم الوحى فرحين مرحين. ويدل عليه قوله تعالى وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ومنها : أن يجعل الفرح للرسل. ومعناه : أن الرسل لما رأوا جهلهم المتمادى واستهزائهم بالحق وعلموا سوء عاقبتهم وما يلحقهم من العقوبة على جهلهم واستهزائهم :
فرحوا بما أوتوا من العلم وشكروا اللّه عليه، وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم.
ويجوز أن يريد بما فرحوا به من العلم : علمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها، كما قال تعالى يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ، ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ فلما جاءهم الرسل بعلوم الديانات - وهي أبعد شيء من علمهم لبعثها على رفض الدنيا والظلف «١» عن الملاذ والشهوات - لم يلتفتوا إليها وصغروها واستهزؤا بها، واعتقدوا أنه لا علم أنفع وأجلب للفوائد من علمهم، ففرحوا به.
(١). قوله «و الظلف» في الصحاح : ظلفت نفسي عن كذا - بالكسر - تظلف ظلفا، أى : كفت. (ع)