لتكون المنافع في الجبال معرضة لطالبيها، حاضرة محصليها، وليبصر أن الأرض والجبال أثقال على أثقال، كلها مفتقرة إلى ممسك لا بد لها منه، وهو ممسكها عز وعلا بقدرته وَبارَكَ فِيها وأكثر خيرها وأنماه وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها أرزاق أهلها ومعايشهم وما يصلحهم. وفي قراءة ابن مسعود : وقسم فيها أقواتها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً فذلكة لمدة خلق اللّه الأرض وما فيها، كأنه قال : كل ذلك في أربعة أيام كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان. قيل : خلق اللّه الأرض في يوم الأحد ويوم الاثنين، وما فيها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء. وقال الزجاج. في أربعة أيام في تتمة أربعة أيام، يريد بالتتمة اليومين. وقرئ : سواء، بالحركات الثلاث : الجر على الوصف والنصب على : استوت سواء، أى : استواء : والرفع على : هي سواء. فإن قلت : بم تعلق قوله لِلسَّائِلِينَ؟ قلت : بمحذوف، كأنه قيل : هذا الحصر لأجل من سأل : في كم خلقت الأرض وما فيها؟ أو يقدر : أى : قدر فيها الأقوات لأجل الطالبين لها المحتاجين إليها من المقتاتين.
وهذا الوجه الأخير لا يستقيم إلا على تفسير الزجاج «١». فإن قلت : هلا قيل في يومين؟ وأى فائدة في هذه الفذلكة؟ قلت : إذا قال في أربعة أيام وقد ذكر أن الأرض خلقت في يومين، علم أن ما فيها خلق في يومين، فبقيت المخايرة بين أن تقول في يومين وأن تقول في أربعة أيام سواء، فكانت في أربعة أيام سواء فائدة ليست في يومين، وهي الدلالة على أنها كانت أياما كاملة بغير زيادة ولا نقصان. ولو قال : في يومين - وقد يطلق اليومان على أكثرهما - لكان يجوز أن يريد باليومين الأولين والآخرين أكثرهما ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ من قولك :
(١). قال محمود :«إن قوله فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فذلكة بمدة خلق اللّه الأرض وما فيها، كأنه قال : وقدر فيها أقواتها في يومين آخرين، فذلك أربعة أيام سواء. وقال : ومعنى سواء : كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان.
ونقل عن الزجاج أن معنى الآية في تتمة أربعة أيام، يريد بالتتمة : اليومين، ثم قال : فان قلت بم تعلق قوله لِلسَّائِلِينَ؟ وأجاب بأنه متعلق بمحذوف، كأنه قيل : هذا الحصر لأجل من سأل : في كم خلقت الأرض وما فيها؟ أو يقدر، أى : قدر فيها الأقوات لأجل السائلين المحتاجين إليها من المقتاتين، ثم قال : وهذا الوجه الأخير. لا يستقيم إلا على تفسير الزجاج» قال أحمد : لم يبين استناعه على التفسير الأول ونحن نبينه فنقول : مقتضى التفسير الأول أن قوله في أربعة أيام فذلكة، ومن شأنها الوقوع في طرف الكلام بعد تمامه، فلو جعل قوله لِلسَّائِلِينَ متعلقا بمقدر : لزم وقوع الفذلكة في حشو الكلام، ولا كذلك على تفسير الزجاج، فان الأربعة على قوله من تتمة الأول، وهي متعلقة بمقدر على تأويل حذف التتمة تعلق الظرف بالمظروف، ليلائم ذلك إتمام الكلام ببيان المقصود من خلق الأقوات بعد بيان من خلقها. وتفسير الزجاج - واللّه أعلم - أرجح، فإنه يشتمل على ذكر مدة خلق الأقوات بالتأويل القريب الذي قدره، ومتضمن لما يقوم مقام الفذلكة، إذ ذكر جملة العدد الذي هو ظرف لخلقها وخلق أقواتها، وعلى تفسير الزمخشري تكون الفذلكة مذكورة من غير تقدم تصريح بجملة تفاصيلها، فانه لم يذكر منها سوى يومين خاصة، ومن شأن الفذلكة أن يتقدم النص على جميع أعدادها مفصلة، ثم تأتى هي على الجملة كقوله فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ.