إرسال الرسل لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ معناه : فإذ أنتم بشر ولستم بملائكة، فإنا لا نؤمن بكم وبما جئتم به، وقولهم أُرْسِلْتُمْ بِهِ ليس بإقرار بالإرسال، وإنما هو على كلام الرسل، وفيه تهكم، كما قال فرعون إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ. روى أنّ أبا جهل قال في ملأ من قريش : قد التبس علينا أمر محمد، فلو التمستم لنا رجلا عالما بالشعر والكهانة والسحر فكلمه ثم أتانا ببيان عن أمره «١»، فقال عتبة بن ربيعة : واللّه لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر وعلمت من ذلك علما، وما يخفى علىّ، فأتاه فقال : أنت يا محمد خير أم هاشم؟ أنت خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم عبد اللّه؟ فبم تشتم آلهتنا وتضللنا، فإن كنت تريد الرياسة عقدنا لك اللواء فكنت رئيسنا، وإن تك بك الباءة زوّجناك عشر نسوة تختار من أى بنات قريش شئت، وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني به، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ساكت، فلما فرغ قال : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم... إلى قوله...
صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ فأمسك عتبة على فيه وناشده بالرحم، ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش، فلما احتبس عنهم قالوا : ما نرى عتبة إلا قد صبأ، فانطلقوا إليه وقالوا : يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك قد صبأت، فغضب وأقسم لا يكلم محمدا أبدا، ثم قال : واللّه لقد كلمته فأجابنى بشيء واللّه ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر، ولما بلغ صاعقة عاد وثمود : أمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب، فخفت أن ينزل بكم العذاب.
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ١٥ إلى ١٦]
فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦)
فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ أى تعظموا فيها على أهلها بما لا يستحقون به التعظم وهو القوّة وعظم الأجرام. أو استعلوا في الأرض واستولوا على أهلها بغير استحقاق للولاية مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً كانوا ذوى أجسام طوال وخلق عظيم، وبلغ من قوّتهم أن الرجل كان ينزع الصخرة
(١). أخرجه ابن إسحاق في السيرة : حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب بهذا نحوه مرسلا، ووصله ابن أبى شيبة. وعنه أبو يعلى وعبد بن حميد وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل، كلهم من رواية الأجلح الكندي عن الزبال ابن حرملة عن جابر مطولا.