أرجع في كفاية شرهم. وقيل : وما اختلفتم فيه وتنازعتم من شيء من الخصومات فتحاكموا فيه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولا تؤثروا على حكومته حكومته غيره، كقوله تعالى فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ وقيل : وما اختلفتم فيه من تأويل آية واشتبه عليكم، فارجعوا في بيانه إلى المحكم من كتاب اللّه والظاهر من سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
وقيل : وما وقع بينكم الخلاف فيه من العلوم التي لا تتصل بتكليفكم ولا طريق لكم إلى علمه، فقولوا : اللّه أعلم، كمعرفة الروح. قال اللّه تعالى وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي : فإن قلت : هل يجوز حمله على اختلاف المجتهدين في أحكام الشريعة؟ قلت : لا، لأنّ الاجتهاد لا يجوز بحضرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
[سورة الشورى (٤٢) : آية ١١]
فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)
فاطِرُ السَّماواتِ قرئ بالرفع والجر، فالرفع على أنه أحد أخبار ذلكم. أو خبر مبتدإ محذوف، والجرّ على : فحكمه إلى اللّه فاطر السماوات، وذلِكُمُ إلى أُنِيبُ اعتراض بين الصفة والموصوف جَعَلَ لَكُمْ خلق لكم مِنْ أَنْفُسِكُمْ من جنسكم من الناس أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً أى : خلق من الأنعام أزواجا. ومعناه : وخلق للأنعام أيضا من أنفسها أزواجا يَذْرَؤُكُمْ يكثركم، يقال : ذرأ اللّه الخلق : بثهم وكثرهم. والذر، والذرو، والذرء :
أخوات فِيهِ في هذا التدبير، وهو أن جعل للناس والأنعام أزواجا، حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل. والضمير في يَذْرَؤُكُمْ يرجع إلى المخاطبين والأنعام، مغلبا فيه المخاطبون العقلاء على الغيب مما لا يعقل، وهي من الأحكام ذات العلتين «١». فإن قلت : ما معنى يذرؤكم في هذا التدبير؟ وهلا قيل : يذرؤكم به؟ قلت : جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير، ألا تراك تقول. للحيوان في خلق الأزواج تكثير، كما قال تعالى وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ قالوا : مثلك لا يبخل، فنفوا البخل عن مثله، وهم يريدون نفيه عن ذاته، قصدوا المبالغة في ذلك فسلكوا به طريق الكناية، لأنهم إذا نفوه عمن يسدّ مسدّه وعمن هو على أخص أوصافه، فقد نفوه عنه. ونظيره قولك للعربي : العرب لا تخفر الذمم : كان أبلغ «٢» من قولك :

__
(١). قال محمود :«إن الضمير المتصل بيذرؤ عائد على الأنفس وعلى الأنعام مغلبا فيه المخاطبون العقلاء على الغيب مما لا يعقل، وهي من الأحكام ذات العلتين» قال أحمد : الصحيح أنهما حكمان متباينان غير متداخلين، أحدهما : مجيئه على نعت ضمير العقلاء أعم من كونه مخاطبا أو غائبا. والثاني : مجيئه بعد ذلك على نعت الخطاب، فالأول لتغليب العقل. والثاني لتغليب الخطاب.
(٢). قوله «لا تخفر الذمم كان أبلغ» في الصحاح : أخفرته، إذا نقضت عهده وغدرت به. وفيه :«أيقع الغلام» أى : ارتفع : وهو يافع، ولا تقول : موقع. وقوله «كان أبلغ» لعل تقديره : فان قلت له ذلك كان أبلغ. (ع)


الصفحة التالية
Icon