وَما تَفَرَّقُوا يعنى أهل الكتاب بعد أنبيائهم إِلَّا مِنْ بَعْدِ أن علموا أنّ الفرقة ضلال وفساد، وأمر متوعد عليه على ألسنة الأنبياء وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ وهي عدة التأخير إلى يوم القيامة لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ حين افترقوا لعظم ما اقترفوا وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ وهم أهل الكتاب الذين كانوا في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لَفِي شَكٍّ من كتابهم لا يؤمنون به حق الإيمان. وقيل : كان الناس أمّة واحدة مؤمنين بعد أن أهلك اللّه أهل الأرض أجمعين بالطوفان، فلما مات الاباء اختلف الأبناء فيما بينهم، وذلك حين بعث اللّه إليهم النبيين مبشرين ومنذرين وجاءهم العلم. وإنما اختلفوا للبغي بينهم. وقيل : وما تفرّق أهل الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بمبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، كقوله تعالى وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وإنّ الذين أورثوا الكتاب من من بعدهم هم المشركون : أورثوا القرآن من بعد ما أورث أهل الكتاب التوراة والإنجيل.
وقرئ : ورّثوا، وورثوا.
[سورة الشورى (٤٢) : آية ١٥]
فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥)
فَلِذلِكَ فلأجل التفرق ولما حدث بسببه من تشعب الكفر شعبا فَادْعُ إلى الاتفاق والائتلاف على الملة الحنيفية القديمة وَاسْتَقِمْ عليها وعلى الدعوة إليها كما أمرك اللّه وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ المختلفة الباطلة بما أنزل اللّه من كتاب، أىّ كتاب صحّ أنّ اللّه أنزله، يعنى الإيمان بجميع الكتب المنزلة، لأنّ المتفرقين آمنوا ببعض وكفروا ببعض، كقوله تعالى وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ إلى قوله أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ في الحكم إذا تخاصمتم فتحاكمتم إلىّ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ أى لا خصومة لأنّ الحق قد ظهر وصرتم محجوجين به فلا حاجة إلى المحاجة. ومعناه : لا إيراد حجة بيننا، لأنّ المتحاجين : يورد هذا حجته وهذا حجته اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا يوم القيامة فيفصل بيننا وينتقم لنا منكم، وهذه محاجزة ومتاركة بعد ظهور الحق وقيام الحجة والإلزام. فإن قلت : كيف حوجزوا وقد فعل بهم بعد ذلك ما فعل من القتل وتخريب البيوت وقطع النخيل والإجلاء؟ قلت : المراد محاجزتهم في مواقف المقاولة لا المقاتلة.