أنه يفعل. إلا أن يكون من الأوّل فعل، فلما ضارع الذي لا يوجبه كالاستفهام ونحوه : أجازوا فيه هذا على ضعفه اه. ولا يجوز أن تحمل القراءة المستفيضة على وجه ضعيف ليس بحدّ الكلام ولا وجهه، ولو كانت من هذا الباب لما أخلى سيبويه منها كتابه، وقد ذكر نظائرها من الآيات المشكلة. فإن قلت : فكيف يصح المعنى على جزم وَيَعْلَمَ؟ قلت : كأنه قال : أو إن يشأ يجمع بين ثلاثة أمور : هلاك قوم ونجاة قوم وتحذير آخرين مِنْ مَحِيصٍ من محيد عن عقابه.
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٣٦]
فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦)
ما الأولى ضمنت معنى الشرط، فجاءت الفاء في جوابها بخلاف الثانية. عن على رضى اللّه عنه : اجتمع لأبى بكر رضى اللّه عنه مال فتصدق به كله في سبيل اللّه والخير، فلامه المسلمون وخطأه الكافرون، فنزلت.
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٣٧]
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧)
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ عطف على الذين آمنوا، وكذلك ما بعده. ومعنى كَبائِرَ الْإِثْمِ الكبائر من هذا الجنس. وقرئ : كبير الإثم. وعن ابن عباس رضى اللّه تعالى عنه : كبير الإثم هو الشرك هُمْ يَغْفِرُونَ أى هم الأخصاء بالغفران في حال الغضب، لا يغول الغضب أحلامهم كما يغول حلوم الناس، والمجيء بهم وإيقاعه مبتدأ، وإسناد يَغْفِرُونَ إليه لهذه الفائدة، ومثله :
هُمْ يَنْتَصِرُونَ.
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٣٨]
وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨)
وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ نزلت في الأنصار : دعاهم اللّه عز وجل للإيمان به وطاعته، فاستجابوا له بأن آمنوا به وأطاعوه وَأَقامُوا الصَّلاةَ وأتموا الصلوات الخمس. وكانوا قبل الإسلام وقبل مقدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة : إذا كان بهم أمر اجتمعوا وتشاوروا، فأثنى اللّه عليهم، أى : لا ينفردون برأى حتى يجتمعوا عليه. وعن الحسن :
ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم» «١» والشورى : مصدر كالفتيا، بمعنى التشاور. ومعنى

__
(١). أخرجه ابن أبى شيبة والبخاري في الأدب وعبد اللّه بن أحمد في زيادات الزهد. وقد ذكره المصنف مرفوعا في آل عمران. [.....]


الصفحة التالية
Icon