وأقرنت ما حمّلتنى ولقلّما يطاق احتمال الصّد يا دعد والهجر «١»
وحقيقة «أقرنه» : وجده قرينته وما يقرن به، لأنّ الصعب لا يكون قرينة للضعيف. ألا ترى إلى قولهم في الضعيف : لا يقرن به الصعبة. وقرئ : مقرنين، والمعنى واحد. فإن قلت : كيف اتصل بذلك قوله وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ؟ قلت : كم من راكب دابة عثرت به أو شمست أو تقحمت «٢» أو طاح من ظهرها فهلك، وكم من راكبين في سفينة انكسرت بهم فغرقوا، فلما كان الركوب مباشرة أمر مخطر، واتصالا بسبب من أسباب التلف : كان من حق الراكب وقد اتصل بسبب من أسباب التلف أن لا ينسى عند اتصاله به يومه، وأنه هالك لا محالة فمنقلب إلى اللّه غير منفلت من قضائه، ولا يدع ذكر ذلك بقلبه ولسانه حتى يكون مستعد اللقاء اللّه بإصلاحه من نفسه، والحذر من أن يكون ركوبه ذلك من أسباب موته في علم اللّه وهو غافل عنه، ويستعيذ باللّه من مقام من يقول لقرنائه : تعالوا نتنزه على الخيل أو في بعض الزوارق، فيركبون حاملين مع أنفسهم أوانى الخمر والمعازف، فلا يزالون يسقون حتى تميل طلاهم «٣» وهم على ظهور الدواب، أو في بطون السفن وهي تجرى بهم، لا يذكرون إلا الشيطان، ولا يمتثلون إلا أوامره. وقد بلغني أنّ بعض السلاطين ركب وهو يشرب من بلد إلى بلد بينهما مسيرة شهر، فلم يصح إلا بعد ما اطمأنت به الدار، فلم يشعر بمسيره ولا أحس به، فكم بين فعل أولئك الراكبين وبين ما أمره اللّه به في هذه الآية. وقيل : يذكرون عند الركوب ركوب الجنازة.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ١٥ إلى ١٨]
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨)
(١). لابن هرمة «و أقرنت الشيء : إذا وجدته قرينا لك لا يزيد عنك، ثم استعمل في الاطاقة توسعا. ولقلما اللام للقسم. وقل : فعل. وما : كافة، ركبت معه فصار المراد منه النفي ولا فاعل له، وشبه المعقول من الصد والهجر بالمحسوس على طريق الكناية والحمل تخييل. يقول : أطقت ما حملتني إياه من صدك عنى وهجرك لي، والحال أنه لا يطاق احتمالهما. وفي الاعتراض بندائها : نوع استعطاف. [.....]
(٢). قوله «أو شمست أو تقحمت» في الصحاح : شمس الفرس شموسا وشماسا : منع ظهره. وفيه «القحمة» بالضم : المهلكة. وقحم الطريق : مصاعبه اه، فتقحم الدابة براكبها : خوضها به في قحمته. (ع)
(٣). قوله «حتى تميل طلاهم» في الصحاح «الطلى» الأعناق. قال الأصمعي : واحدتها طلية. وقال أبو عمرو والفراء : واحدتها طلاة. (ع)