الثقفي، وكان الوليد يقول : لو كان حقا ما يقول محمد لنزل هذا القرآن علىّ أو على أبى مسعود الثقفي، وأبو مسعود : كنية عروة بن مسعود ما زالوا ينكرون أن يبعث اللّه بشرا رسولا، فلما علموا بتكرير اللّه الحجج أن الرسل لم يكونوا إلا رجالا من أهل القرى، جاءوا بالإنكار من وجه آخر، وهو تحكمهم أن يكون أحد هذين، وقولهم : هذا القرآن ذكر له على وجه الاستهانة به، وأرادوا بعظم الرجل : رياسته وتقدّمه في الدنيا، وعزب عن عقولهم أن العظيم من كان عند اللّه عظيما.
[سورة الزخرف (٤٣) : آية ٣٢]
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢)
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ هذه الهمزة للإنكار المستقل بالتجهيل والتعجيب من اعتراضهم وتحكمهم، وأن يكونوا هم المدبرين لأمر النبوّة والتخير لها من يصلح لها ويقوم بها، والمتولين لقسمة رحمة اللّه التي لا يتولاها إلا هو بباهر قدرته وبالغ حكمته، ثم ضرب لهم مثلا فأعلم أنهم عاجزون عن تدبير خويصة أمرهم وما يصلحهم في دنياهم، وأنّ اللّه عزّ وعلا هو الذي قسم بينهم معيشتهم وقدرها ودبر أحوالهم تدبير العالم بها، فلم يسوّ بينهم ولكن فاوت بينهم في أسباب العيش، وغاير بين منازلهم فجعل منهم أقوياء وضعفاء وأغنياء ومحاويج وموالي وخدما، ليصرف بعضهم بعضا في حوائجهم ويستخدموهم في مهنهم ويتسخروهم في أشغالهم، حتى يتعايشوا ويترافدوا ويصلوا إلى منافعهم ويحصلوا على مرافقهم، ولو وكلهم إلى أنفسهم وولاهم تدبير أمرهم، لضاعوا وهلكوا. وإذا كانوا في تدبير المعيشة الدنية في الحياة الدنيا على هذه الصفة، فما ظنك بهم في تدبير أمور الدين الذي هو رحمة اللّه الكبرى ورأفته العظمى؟ وهو الطريق إلى حيازة حظوظ الآخرة والسلم إلى حلول دار السلام؟ ثم قال وَرَحْمَتُ رَبِّكَ يريد : وهذه الرحمة وهي دين اللّه وما يتبعه من الفوز في المآب : خير مما يجمع هؤلاء من حطام الدنيا. فان قلت : معيشتهم ما يعيشون به من المنافع «١»، ومنهم من يعيش بالحلال، ومنهم من يعيش بالحرام، فإذن قد قسم اللّه تعالى الحرام كما قسم الحلال. قلت : اللّه تعالى قسم لكل عبد معيشته وهي مطاعمه ومشاربه وما يصلحه من المنافع وأذن له في تناولها، ولكن شرط عليه

__
(١). قال محمود :«فان قلت : معيشتهم ما يعيشون به من المنافع... الخ» قال أحمد : قد تقدم أن الرزق عند أهل السنة يطلق على ما يقوم اللّه به حال العبد حلالا كان أو حراما، وهذه الآية معضدة، والزمخشري بنى على أصله وقد تقدم.


الصفحة التالية
Icon