ويجوز أن يكون صفة على فعل، كقولهم : دين قيم، ولحم زيم «١» : كانوا يقترحون عليه الآيات ويسألونه عما لم يوح به إليه من الغيوب، فقيل له : قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ فآتيكم بكل ما تقترحونه، وأخبركم بكل ما تسألون عنه من المغيبات، فإنّ الرسل لم يكونوا يأتون إلا بما آتاهم اللّه من آياته، ولا يخبرون إلا بما أوحى إليهم. ولقد أجاب موسى صلوات اللّه عليه عن قول فرعون : فما بال القرون الأولى؟ بقوله : علمها عند ربى وَما أَدْرِي لأنه لا علم لي بالغيب - ما يفعل اللّه بى وبكم فيما يستقبل من الزمان من أفعاله، ويقذر لي ولكم من قضاياه إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وعن الحسن : وما أدرى ما يصير إليه أمرى وأمركم في الدنيا، ومن الغالب منا والمغلوب. وعن الكلبي : قال له أصحابه - وقد ضجروا من أذى المشركين - : حتى متى نكون على هذا؟ فقال : ما أدرى ما يفعل بى ولا بكم، أأترك بمكة أم أومر بالخروج إلى أرض قد رفعت لي ورأيتها - يعنى في منامه - ذات نخيل وشجر؟ وعن ابن عباس : ما يفعل بى ولا بكم في الآخرة، وقال : هي منسوخة بقوله لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ويجوز أن يكون نفيا للدراية المفصلة «٢». وقرئ : ما يفعل، بفتح الياء، أى : يفعل اللّه عز وجل. فإن قلت : إنّ يُفْعَلُ مثبت غير منفي، فكان وجه الكلام : ما يفعل بى وبكم. قلت : أجل، ولكن النفي في ما أدرى لما كان مشتملا عليه لتناوله ما وما في حيزه : صح ذلك وحسن.
ألا ترى إلى قوله أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ كيف دخلت الياء في حيز أنّ وذلك لتناول النفي إياها مع ما في حيزها. وما في ما يُفْعَلُ يجوز أن تكون موصولة منصوبة، وأن تكون استفهامية مرفوعة. وقرئ : يوحى، أى اللّه عز وجل.
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ١٠]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠)
(١). قوله «و لحم زيم» في الصحاح «اللحم الزيم» المتفرق ليس بمجتمع في مكان فيبدن. وفيه أيضا : بدن الرجل يبدن، إذا ضخم وسمن. (ع)
(٢). قال محمود :«أجود ما ذكر فيه حمله على الدراية المفصلة، يريد بذلك أن تفصيل ما يصير إليه من خير ويصيرون إليه من شر... الخ» قال أحمد :«بنى على أن المجرور معطوف على مثله، وأنهما جميعا في صلة موصول واحد، ولو قيل : إن المجرور الثاني من صلة موصول محذوف معطوف على مثله، حتى يكون التقدير : وما أدرى ما يفعل بى ولا ما يفعل بكم : لكانت لا واقعة بمكانة غير مفتقرة إلى تأويل، وحذف الموصول المعطوف وتفاصيله كثيرة. ومنه
فمن يهجو رسول اللّه منكم ويمدحه وينصره سواء
يريد حسان رضى اللّه عنه : فمن يهجو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومن يمدحه سواء.