أنهار، وكأن قائلا قال : وما مثلها؟ فقيل : فيها أنهار، وأن يكون في موضع الحال، أى : مستقرّة فيها أنهار، وفي قراءة على رضى اللّه عنه : أمثال الجنة، أى : ما صفاتها كصفات النار. وقرئ : أسن. يقال : أسن الماء وأجن : إذا تغير طعمه وريحه. وأنشد ليزيد بن معاوية :
لقد سقتني رضابا غير ذى أسن كالمسك فتّ على ماء العناقيد «١»
مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ كما تتغير ألبان الدنيا، فلا يعود قارصا ولا حاذرا «٢»، ولا ما يكره من الطعوم لَذَّةٍ تأنيث لذّ، وهو اللذيذ، أو وصف بمصدر. وقرئ بالحركات الثلاث، فالجر على صفه الخمر، والرفع على صفة الأنهار، والنصب على العلة، أى : لأجل لذة الشاربين.
والمعنى : ما هو إلا التلذذ الخالص، ليس معه ذهاب عقل ولا خمار ولا صداع، ولا آفة من آفات الخمر مُصَفًّى لم يخرج من بطون النحل فيخالطه الشمع وغيره ماءً حَمِيماً قيل إذا دنا منهم شوى وجوههم، وانمازت فروة رءوسهم، فإذا شربوه قطع أمعاءهم.
[سورة محمد (٤٧) : آية ١٦]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦)
هم المنافقون : كانوا يحضرون مجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيسمعون كلامه ولا يعونه ولا يلقون له إلا تهاونا منهم، فإذا خرجوا قالوا لأولى العلم من الصحابة، ما ذا قال الساعة؟
على جهة الاستهزاء. وقيل : كان يخطب فإذا عاب المنافقين خرجوا فقالوا ذلك للعلماء. وقيل :
قالوه لعبد اللّه بن مسعود. وعن ابن عباس : أنا منهم، وقد سميت فيمن سئل آنِفاً وقرئ :
أنفا على فعل، نصب على الظرف «٣» قال الزجاج : هو من استأنفت الشيء : إذا ابتدأته.
والمعنى : ما ذا قال في أوّل وقت يقرب منا.
[سورة محمد (٤٧) : آية ١٧]
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧)
زادَهُمْ اللّه هُدىً بالتوفيق وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ أعانهم عليها. أو أتاهم جزاء تقواهم.
(١). ليزيد بن معاوية. وترضب الرجل ريق المرأة : إذا ترشفه. وأسن أسنا كتعب تعبا : تغير طعمه أو ريحه أو لونه. لطول مدته. يقول : سقتني ريقها الذي لم يتغير. وماء العناقيد : كناية عن الخمر، واستعاره لريقها على التصريحية، وناولتني المسك حال كونه تفتت على ريقها الشبيه بالخمر، أى : كأنه كذلك لطيبه. ويروى : كالمسك وهي الظاهرة، والتشبيه من قبيل تشبيه المفرد بالمركب، لأنه لا يريد تشبيه الرضاب بالمسك فقط.
(٢). قوله «و لا حاذرا ولا ما يكره» لعله محذوف، وأصله : حازر بالزاي، وفي الصحاح : الحاذر : اللبن الحامض
(٣). قوله «و قرئ أنفا على فعل نصب على الظرف» لعله : بالضم. (ع)