بمعنى : أمرنا طاعة وقول معروف. وتشهد له قراءة أبىّ : يقولون طاعة وقول معروف فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ أى جدّ. والعزم والجد لأصحاب الأمر. وإنما يسندان إلى الأمر إسنادا مجازيا. ومنه قوله تعالى إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ فيما زعموا من الحرص على الجهاد. أو : فلو صدقوا في إيمانهم وواطأت قلوبهم فيه ألسنتهم.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٢٢ إلى ٢٣]
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣)
عسيت وعسيتم : لغة أهل الحجاز. وأما بنو تميم فيقولون : عسى أن تفعل، وعسى أن تفعلوا، ولا يلحقون الضمائر : وقرأ نافع بكسر السين وهو غريب، وقد نقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب على طريقة الالتفات، ليكون أبلغ في التوكيد. فإن قلت : ما معنى : فهل عسيتم... أن تفسدوا في الأرض؟ قلت : معناه : هل يتوقع منكم الإفساد؟ فإن قلت : فكيف يصح هذا في كلام اللّه عز وعلا وهو عالم بما كان وما يكون؟ قلت : معناه إنكم - لما عهد منكم - أحقاء بأن يقول لكم كل من ذاقكم وعرف تمريضكم ورخاوة عقدكم في الإيمان : يا هؤلاء، ما ترون؟ هل يتوقع منكم إن توليتم أمور الناس وتأمرتم عليهم لما تبين منكم من الشواهد ولاح من المخايل أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ تناحرا على الملك وتهالكا على الدنيا؟ وقيل : إن أعرضتم وتوليتم عن دين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وسنته أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من الإفساد في الأرض : بالتغاور والتناهب، وقطع الأرحام :
بمقاتلة بعض الأقارب بعضا ووأد البنات؟ وقرئ : وليتم «١». وفي قراءة على بن أبى طالب رضى اللّه عنه : توليتم، أى : إن تولاكم ولاة غشمة خرجتم معهم ومشيتم تحت لوائهم وأفسدتم بإفسادهم؟ وقرئ : وتقطعوا، وتقطعوا، من التقطيع والتقطع أُولئِكَ إشارة إلى المذكورين لَعَنَهُمُ اللَّهُ لإفسادهم وقطعهم الأرحام، فمنعهم ألطافه وخذلهم، حتى صموا عن استماع الموعظة، وعموا عن إبصار طريق الهدى. ويجوز أن يريد بالذين آمنوا : المؤمنين الخلص الثابتين، وأنهم يتشوفون إلى الوحى إذا أبطأ عليهم، فإذا أنزلت سورة في معنى الجهاد :
رأيت المنافقين فيما بينهم يضجرون منها.
[سورة محمد (٤٧) : آية ٢٤]
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤)
(١). قوله «و قرئ وليتم» لعله بالبناء للمجهول، وكذا توليتم في قراءة على. (ع)