الصلح والأمن، ليعرفوا فضل اللّه عليهم بتيسير الأمن بعد الخوف، والهدنة غب القتال، فيزدادوا يقينا إلى يقينهم، وأنزل فيها السكون إلى ما جاء به محمد عليه السلام من الشرائع لِيَزْدادُوا إِيماناً بالشرائع مقرونا إلى إيمانهم وهو التوحيد. عن ابن عباس رضى اللّه عنهما :
أن أوّل ما أتاهم به النبي صلى اللّه عليه وسلم التوحيد، فلما آمنوا باللّه وحده أنزل الصلاة والزكاة، ثم الحج، ثم الجهاد، فازدادوا إيمانا إلى إيمانهم. أو أنزل فيها الوقار والعظمة للّه عزّ وجل ولرسوله، ليزدادوا باعتقاد ذلك إيمانا إلى إيمانهم. وقيل : أنزل فيها الرحمة ليتراحموا فيزداد إيمانهم وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يسلط بعضها على بعض كما يقتضيه علمه وحكمته، ومن قضيته أن سكن قلوب المؤمنين بصلح الحديبية ووعدهم أن يفتح لهم، وإنما قضى ذلك ليعرف المؤمنون نعمة اللّه فيه ويشكروها فيستحقوا الثواب، فيثيبهم ويعذب الكافرين والمنافقين لما غاظهم من ذلك وكرهوه. وقع السوء : عبارة عن رداءة الشيء وفساده، والصدق عن جودته وصلاحه، فقيل في المرضى الصالح من الأفعال : فعل صدق، وفي المسخوط الفاسد منها : فعل سوء. ومعنى ظَنَّ السَّوْءِ ظنهم أن اللّه تعالى لا ينصر الرسول والمؤمنين، ولا يرجعهم إلى مكة ظافرين فاتحيها عنوة وقهرا عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ أى : ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين فهو حائق بهم ودائر عليهم - والسوء : الهلاك والدمار. وقرئ : دائرة السوء «١» بالفتح، أى.
الدائرة التي يذمونها ويسخطونها، فهي عندهم دائرة سوء، وعند المؤمنين دائرة صدق. فإن قلت : هل من فرق بين السوء والسوء؟ قلت : هما كالكرة والكره والضعف والضعف، من ساء، إلا أنّ المفتوح غلب في أن يضاف إليه ما يراد ذمه من كل شيء. وأما السوء بالضم فجار مجرى الشر الذي هو نقيض الخير. يقال : أراد به السوء وأراد به الخير، ولذلك أضيف الظن إلى المفتوح لكونه مذموما، وكانت الدائرة محمودة فكان حقها أن لا تضاف إليه إلا على التأويل الذي ذكرنا وأما دائرة السوء بالضم، فلأن الذي أصابهم مكروه وشدة، فصح أن يقع عليه اسم السوء، كقوله عزّ وعلا إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً.
[سورة الفتح (٤٨) : الآيات ٨ إلى ٩]
إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٩)
شاهِداً تشهد على أمّتك، كقوله تعالى وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً. لِتُؤْمِنُوا الضمير للناس وَتُعَزِّرُوهُ ويقووه بالنصرة وَتُوَقِّرُوهُ ويعظموه وَتُسَبِّحُوهُ من التسبيح. أو من

__
(١). قوله «و قرئ دائرة السوء بالفتح، يفيد أن القراءة المشهورة. دائرة السوء. بالضم. (ع)


الصفحة التالية
Icon