فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ أى من دون فتح مكة فَتْحاً قَرِيباً وهو فتح خيبر، لتستروح إليه قلوب المؤمنين إلى أن يتيسر الفتح الموعود.
[سورة الفتح (٤٨) : آية ٢٨]
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٢٨)
بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ بدين الإسلام لِيُظْهِرَهُ ليعليه عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ على جنس الدين كله، يريد : الأديان المختلفة من أديان المشركين والجاحدين من أهل الكتاب : ولقد حقق ذلك سبحانه، فإنك لا ترى دينا قط إلا وللإسلام دونه العز والغلبة. وقيل : هو عند نزول عيسى حين لا يبقى على وجه الأرض كافر. وقيل : هو إظهاره بالحجج والآيات. وفي هذه الآية تأكيد لما وعد من الفتح وتوطين لنفوس المؤمنين على أنّ اللّه تعالى سيفتح لهم من البلاد ويقيض لهم من الغلبة على الأقاليم ما يستقلون إليه فتح مكة وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً على أنّ ما وعده كائن. وعن الحسن رضى اللّه عنه : شهد على نفسه أنه سيظهر دينك «١»
[سورة الفتح (٤٨) : آية ٢٩]
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩)
مُحَمَّدٌ إما خبر مبتدإ، أى : هو محمد لتقدّم قوله تعالى هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ وإما مبتدأ، ورسول اللّه : عطف بيان. وعن ابن عامر أنه قرأ : رسول اللّه، بالنصب على المدح وَالَّذِينَ مَعَهُ أصحابه أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ جمع شديد ورحيم. ونحوه أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ، وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ. بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وعن الحسن رضى اللّه عنه : بلغ من تشدّدهم على الكفار : أنهم كانوا يتحرّزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم، ومن أبدانهم أن تمس أبدانهم، وبلغ من ترحمهم فيما بينهم أنه كان لا يرى مؤمن مؤمنا إلا صافحه وعانقه، والمصافحة لم تختلف فيها الفقهاء. وأما المعانقة فقد كرهها أبو حنيفة رحمه اللّه، وكذلك
(١). قوله «إنه سيظهر دينك» لعله : دينه، كعبارة النسفي. (ع)