ما صلوا بالليل، كقوله «من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار» «١» ذلِكَ الوصف مَثَلُهُمْ أى وصفهم العجيب الشأن في الكتابين جميعا، ثم ابتدأ فقال كَزَرْعٍ يريد : هم كزرع. وقيل : تم الكلام عند قوله ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ ثم ابتدئ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ ويجوز أن يكون ذلك إشارة مبهمة أوضحت بقوله كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ كقوله تعالى وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ. وقرئ : الإنجيل، بفتح الهمزة شَطْأَهُ فراخه. يقال : أشطا الزرع إذا فرخ. وقرئ : شطأه، بفتح الطاء. وشطأه، بتخفيف الهمزة : وشطاءه، بالمدّ. وشطه، بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى ما قبلها. وشطوه، بقلبها واوا فَآزَرَهُ من المؤازرة وهي المعاونة. وعن الأخفش : أنه أفعل. وقرئ : فأزره بالتخفيف والتشديد، أى : فشدّ أزره وقوّاه. ومن جعل آزر أفعل، فهو في معنى القراءتين فَاسْتَغْلَظَ فصار من الدقة إلى الغلظ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ فاستقام على قصبه جمع ساق.
وقيل : مكتوب في الإنجيل سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. وعن عكرمة : أخرج شطأه بأبى بكر، فآزره بعمر، فاستغلظ بعثمان، فاستوى على سوقه بعلىّ. وهذا مثل ضربه اللّه لبدء أمر الإسلام وترقيه في الزيادة إلى أن قوى واستحكم، لأنّ النبي صلى اللّه عليه وسلم، قام وحده. ثم قوّاه اللّه بمن آمن معه كما يقوى الطاقة الأولى من الزرع ما يحتف بها مما يتولد منها حتى يعجب الزرّاع. فإن قلت : قوله لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ تعليل لما ذا؟ قلت : لما دل عليه تشبيههم بالزرع من نمائهم وترقيهم في الزيادة والقوّة، ويجوز أن يعلل به وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لأنّ الكفار إذا سمعوا بما أعدّ لهم في الآخرة مع ما يعزهم به في الدنيا غاظهم ذلك. ومعنى مِنْهُمْ البيان، كقوله تعالى فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ.
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم «من قرأ سورة الفتح فكأنما كان ممن شهد مع محمد فتح مكة» «٢».
(١). أخرجه ابن ماجة عن إسماعيل الطلحي عن ثابت بن موسى عن شريك عن الأعمش عن أبى سفيان عن جابر مرفوعا بهذا واتفق أئمة الحديث وابن عدى والدارقطني والعقيلي وابن حبان والحاكم على أنه من قول شريك قاله لثابت لما دخل. وقال ابن عدى سرقه جماعة من ثابت كعبد اللّه بن شبرمة الشريكى وعبد الحميد بن بحر وغيرهما وأورده صاحب مسند الشهاب من رواية عبد الرزاق عن الثوري وابن جريج عن أبى الزبير عن جابر وهو موضوع على هذا الاسناد. وكذا من رواية الحسين بن حفص عن الثوري عن الأعمش عن أبى سفيان عن جابر والأمر فيه كذلك. ومن طرق أخرى واهية. قال ابن طاهر : ظن القضاعي أن الحديث صحيح، لكثرة طرقه. وهو معذور لأنه لم يكن حافظا. وله طرق أخرى من غير رواية جابر أخرجه ابن جميع في معجمه من حديث أنس وابن الجوزي من وجه آخر عنه وهو باطل أيضا من الوجهين.
(٢). أخرجه ابن مردويه والواحدي بالإسناد إلى أبى بن كعب.