ما زينت به الكواكب. وجاء عن ابن عباس رضى اللّه عنهما : بزينة الكواكب : بضوء الكواكب : ويجوز أن يراد أشكالها المختلفة، كشكل الثريا وبنات نعش والجوزاء، وغير ذلك، ومطالعها ومسايرها. وقرئ على هذا المعنى : بزينة الكواكب، بتنوين زينة وجر الكواكب على الإبدال. ويجوز في نصب الكواكب : أن يكون بدلا من محل بزينة وَحِفْظاً مما حمل على المعنى لأنّ المعنى : إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء وحفظا من الشياطين، كما قال تعالى وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ ويجوز أن يقدر الفعل المعلل، كأنه قيل : وحفظا مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ زيناها بالكواكب، وقيل : وحفظناها حفظا. والمارد :
الخارج من الطاعة المتملس «١» منها.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٨ إلى ١٠]
لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (٨) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (٩) إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (١٠)
الضمير في لا يَسَّمَّعُونَ لكل شيطان، لأنه في معنى الشياطين. وقرئ بالتخفيف والتشديد، وأصله : يتسمعون. والتسمع : تطلب السماع. يقال : تسمع فسمع، أو فلم يسمع.
وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما : هم يتسمعون ولا يسمعون، وبهذا ينصر التخفيف على التشديد، فإن قلت : لا يسمعون كيف اتصل بما قبله؟ قلت : لا يخلو من أن يتصل بما قبله على أن يكون صفة لكل شيطان، أو استئنافا فلا تصحّ الصفة لأنّ الحفظ من شياطين لا يسمعون ولا يستمعون لا معنى له، وكذلك الاستئناف لأنّ سائلا لو سأل : لم تحفظ من الشياطين؟
فأجيب بأنهم لا يسمعون : لم يستقم، فبقى أن يكون كلاما منقطعا مبتدأ اقتصاصا، لما عليه حال المسترقة للسمع «٢»، وأنهم لا يقدرون أن يسمعوا إلى كلام الملائكة. أو يتسمعوا وهم
(١). قوله «من الطاعة المتملس منها» في الصحاح : يقال : انملس من الأمر، إذا أقلت منه. (ع) [.....]
(٢). أبطل الزمخشري أن يكون لا يَسَّمَّعُونَ صفة لأن الحفظ من شيطان لا يسمع لا معنى له وأبطل أن يكون أصله لئلا يسمعوا، فحذف اللام وحذفها كثير، ثم حذف أن وأهدر عملها مثل :
ألا أيها ذا الزاجري أحضر الوغي وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدى
واستبعد اجتماع هذين الحذفين، وإن كان كل واحد منهما بانفراده سائغا، ولما أبطل هذين الوجهين تعين عنده أن يكون ابتداء كلام اقتصاصا لما عليه أحوال المسترقة للسمع» قال أحمد : كلا الوجهين مستقيم، والجواب عن إشكاله الوارد على الوجه الأول : أن عدم سماع الشيطان سببه الحفظ منه، فحال الشيطان حال كونه محفوظا منه هي حاله حال كونه لا يسمع، وإحدى الحالين لازمة للأخرى، فلا مانع أن يجتمع الحفظ منه، وكونه موصوفا بعدم السماع في حالة واحدة لا على أن عدم السماع ثابت قبل الحفظ بل معه وقسيمه، ونظير هذه الآية على هذا التقدير قوله تعالى وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ فقوله تعالى مُسَخَّراتٌ حال مما تقدمه العامل فيه الفعل الذي هو سخر. ومعناه مستقيم، لأن تسخيرها يستلزم كونها مسخرة، فالحال التي سخرت فيها هي الحال التي كانت فيها مسخرة، لا على معنى تسخيرها مع كونها مسخرة قبل ذلك، وما أشار له الزمخشري في هذه الآية قريب من هذا التفسير، إلا أنه ذكر معه تأويلا آخر كالمستشكل لهذا الوجه، فجعل مسخرات جمع مسخر مصدر كممزق، وجعل المعنى : وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر أنواعا من التسخير، وفيما ذكرناه كفاية، ومن هذا النمط ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا وهم ما كانوا رسلا إلا بالإرسال، وهؤلاء ما كانوا لا يسمعون إلا بالحفظ. وأما الجواب عن إشكاله الثاني فورود حذفين في مثل قوله تعالى يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وأصله لئلا تضلوا، فحذف اللام و«لا» جميعا من محليهما.