أعدّاء من لليعملات على الوجى «١»
وهي مع معمولها منصوبة على الحال. أو ضرب اللّه قلوبهم بأنواع المحن والتكاليف الصعبة لأجل التقوى، أى لتثبت وتظهر تقواها، ويعلم أنهم متقون، لأن حقيقة التقوى لا تعلم إلا عند المحن والشدائد والاصطبار عليها. وقيل أخلصها للتقوى. من قولهم : امتحن الذهب وفتنه، إذا أذا به فخلص إبريزه من خبشه ونقاه. وعن عمر رضى اللّه عنه : أذهب الشهوات عنها.
والامتحان : افتعال، من محنه، وهو اختبار بليغ أو بلاء جهيد. قال أبو عمرو : كل شيء جهدته فقد محنته. وأنشد :
أتت رذايا باديا كلالها قد محنت واضطربت آطالها «٢»
قيل : أنزلت في الشيخين رضى اللّه عنهما، لما كان منهما من غض الصوت والبلوغ به أخا السرار. وهذه الآية بنظمها الذي رتبت عليه من إيقاع الغاضين أصواتهم اسما لإنّ المؤكدة.
وتصيير خبرها جملة من مبتدإ وخبر معرفتين معا. والمبتدأ : اسم الإشارة، واستئناف الجملة المستودعة ما هو جزاؤهم على عملهم، وإيراد الجزاء نكرة : مبهما أمره ناظرة في الدلالة على غاية الاعتداد والارتضاء لما فعل الذين وقروا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من خفض أصواتهم، وفي الإعلام بمبلغ عزة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقدر شرف منزلته، وفيها تعريض بعظيم ما ارتكب الرافعون أصواتهم واستيجابهم ضد ما استوجب هؤلاء.
[سورة الحجرات (٤٩) : الآيات ٤ إلى ٥]
إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)

__
(١) أعداء من لليعملات على الوجا وأضياف بيت بيتوا لنزول
أعداء ما للعيش بعدك لذة ولا لخليل بهجة بخليل
أعداء ما وجدي عليك بهين ولا الصبر إن أعطيته بجميل
لعتبة بن مالك العقيلي، يرثى عداء صاحبه. والهمزة للنداء. وعداء - كفعال - : على صيغة المبالغة، أى : يا من كان معدا لاغاثة المطايا الكثيرات العمل، والسفر مع الوجاء وهو الحفاء في أخفافها من كثرة السير، واليعملات :
جمع يعملة، والبعير يعمل، ومن كان معدا لأضياف بيته الذين يبيتون للنزول والاستراحة عنده. والعيش : الحياة، أو ما يعاش به. والبهجة : السرور. والوجد : الحزن. وإن أعطيته : اعتراض، دل على أنه لم يصبر. ونفى جمال الصبر مبالغة في عظم عداء عنده وحبه إياه، وكرر النداء لإظهار التفجع.
(٢). الرذايا جمع رذية وهي الناقة المهزولة الضعيفة. ومحنته : بلوته. ويقال : محنت ناقتي أجهدتها في السير.
ومحنت الجلد : مددته ووسعته. والآطال : جمع أطل وهو الخاصرة، كأسباب وسبب. يقول : أتت المطايا مهازيل ظاهرا ملالها وتعبها من السير، قد أجهدت تلك النوق بالسير. أو قد تدلت واضطربت خواصرها من شدة الجوع ويروى : أوصالها، أى : أعضاؤها.


الصفحة التالية
Icon