قد ارتدوا ومنعوا الزكاة «١»، فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهمّ أن يغزوهم، فبلغ القوم فوردوا وقالوا : نعوذ باللّه من غضبه وغضب رسوله، فاتهمهم فقال :«لتنتهنّ أو لأبعثنّ إليكم رجلا هو عندي كنفسي يقاتل مقاتلتكم ويسبى ذراريكم» ثم ضرب بيده على كتف على رضى اللّه عنه. وقيل : بعث إليهم خالد بن الوليد فوجدهم منادين بالصلوات متهجدين، فسلموا إليه الصدقات «٢»، فرجع. وفي تنكير الفاسق والنبأ : شياع في الفساق والأنباء، كأنه قال : أىّ فاسق جاءكم بأىّ نبإ «٣». فتوقفوا فيه وتطلبوا بيان الأمر وانكشاف الحقيقة، ولا تعتمدوا قول الفاسق «لأنّ من لا يتحامى جنس الفسوق لا يتحامى الكذب الذي هو نوع منه.
والفسوق : الخروج من الشيء والانسلاخ منه. يقال : فسقت الرطبة عن قشرها. ومن مقلوبه :
قفست البيضة، إذا كسرتها وأخرجت ما فيها. ومن مقلوبه أيضا : قفست الشيء إذا أخرجته عن يد مالكه مغتصبا له عليه، ثم استعمل في الخروج عن القصد والانسلاخ من الحق.
قال رؤبة :
فواسقا عن قصدها جوائرا «٤»
وقرأ ابن مسعود : فتثبتوا. والتثبت والتبين : متقاربان، وهما طلب الثبات والبيان والتعرّف، ولما كان رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وآله وسلم والذين معه بالمنزلة التي لا يجسر أحد أن يخبرهم بكذب، وما كان يقع مثل ما فرط من الوليد إلا في الندرة. قيل : إن جاءكم بحرف الشك وفيه أنّ على المؤمنين أن يكونوا على هذه الصفة، لئلا يطمع فاسق في مخاطبتهم بكلمة زور أَنْ تُصِيبُوا مفعول له، أى : كراهة إصابتكم قَوْماً بِجَهالَةٍ حال، كقوله تعالى وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ يعنى جاهلين بحقيقة الأمر وكنه القصة. والإصباح : بمعنى الصيرورة.
والندم : ضرب من الغم، وهو : أن تغتمّ على ما وقع منك تتمنى أنه لم يقع، وهو غم يصحب
(١). أخرجه إسحاق والطبراني من حديث أم سلمة. دون قوله «فاتهمهم فقال لتنتهن أو لأبعثن إليكم رجلا هو عندي كنفسي يقاتل مقاتلتكم الخ» وعندهما بدل ذلك «فما زالوا يعتذرون إليه حتى نزلت فيهم الآية» وفيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف ونحوه رواه أحمد والطبراني أيضا من حديث الحارث بن دثار الخزاعي أخرجه ابن مردويه من طريق عبد اللّه بن عبد القدوس عن الأعمش عن موسى بن المسيب عن سالم بن أبى الجعد. عن جابر قال :
بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الوليد بن عقبة - فذكر الحديث بنحوه وزاد فقال عليه الصلاة والسلام : لتنتهن أو لأبعثن إليكم رجلا - فذكره.
(٢). لم أره.
(٣). قال محمود :«نكر فاسقا ونبأ لقصد الشياع، فكأنه قيل أىّ فاسق جاء بأى نبأ» قال أحمد : تسامح بلفظ الشياع والمراد الشمول، لأن النكرة إذا وقعت في سياق الشرط تعم، كما إذا وقعت في سياق النفي، واللّه أعلم. [.....]
(٤). تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ١١٩ فراجعه إن شئت اه مصححه.