بأحوال المؤمنين وما بينهم من التمايز والتفاضل حَكِيمٌ حين يفضل وينعم بالتوفيق على أفاضلهم.
[سورة الحجرات (٤٩) : آية ٩]
وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩)
عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال : وقف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على مجلس بعض الأنصار وهو على حمار فبال الحمار، فأمسك عبد اللّه ابن أبىّ بأنفه وقال : خل سبيل حمارك فقد آذانا نتنه. فقال عبد اللّه بن رواحة : واللّه إنّ بول حماره لأطيب من مسكك «١» وروى : حماره أفضل منك، وبول حماره أطيب من مسكك «٢»، ومضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وطال الخوض بينهما حتى استبا وتجالدا، وجاء قوماهما وهما الأوس والخزرج، فتجالدوا بالعصى، وقيل بالأيدى والنعال والسعف، فرجع إليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصلح بينهم، ونزلت.
وعن مقاتل : قرأها عليهم فاصطلحوا. والبغي : الاستطالة والظلم وإباء الصلح. والفيء : الرجوع، وقد سمى به الظل والغنيمة، لأنّ الظل يرجع بعد نسخ الشمس، والغنيمة : ما يرجع من أموال الكفار إلى المسلمين، وعن أبى عمرو : حتى تفي، بغير همز، ووجهه أنّ أبا عمرو خفف الأولى من الهمزتين الملتقيتين فلطفت على الراوي تلك الخلسة «٣»، فظنه قد طرحها. فإن قلت : ما وجه قوله اقْتَتَلُوا والقياس اقتتلتا «٤»، كما قرأ ابن أبى عبلة. أو اقتتلا، كما قرأ عبيد بن عمير على تأويل الرهطين أو النفرين؟ قلت : هو مما حمل على المعنى دون اللفظ، لأنّ الطائفتين في معنى القوم والناس. وفي قراءة عبد اللّه : حتى يفيئوا إلى أمر اللّه، فإن فاءوا فخذوا بينهم بالقسط. وحكم الفئة الباغية : وجوب قتالها ما قاتلت. وعن ابن عمر : ما وجدت في نفسي من شيء ما وجدته
(١). لم أره عن ابن عباس. وهو في الصحيحين من حديث أنس. وفيه «فبلغنا أنها أنزلت وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ | الآية. دون بول الحمار. وقوله «و اللّه إن بول حماره لأطيب من مسك» وليس فيه أيضا «و إنه صلى اللّه عليه وسلم مضى. ثم نزلت الآية. |
(٣). قوله «تلك الخلسة» في الصحاح : خلست الشيء واختلسته، إذا استلبته «و الاسم الخلسة - بالضم. (ع)
(٤). قال محمود :«لم قال اقتتلوا عدولا... الخ» قال أحمد : قد تقدم في مواضع إنكار النحاة الحمل على لفظ «من»، بعد الحمل على معناها، وفي هذه الآية حمل على المعنى بقوله اقْتَتَلُوا ثم على اللفظ بقوله بَيْنَهُما فلا يعتقد أن المقول في «مق» مطرد في هذا، لأن المانع لزوم الإجمال والإبهام بعد التفسير، وهاهنا لا يلزم ذلك، إذ لا إبهام في الطائفة، بل لفظها مفرد أبدا، ومعناها جمع أبدا، وكانت كذلك لاختلاف أحوالها من حيث المعنى مرة جمعا ومرة مقردا، فتأمله، واللّه الموفق.