قال عمر رضى اللّه عنه : أشيعوا الكي فإنها منبهة. ولقد لقب أبو بكر بالعتيق والصدّيق، وعمر بالفاروق، وحمزة بأسد اللّه، وخالد بسيف اللّه. وقلّ من المشاهير في الجاهلية والإسلام من ليس له لقب، ولم تزل هذه الألقاب الحسنة في الأمم كلها من العرب والعجم تجرى في مخاطباتهم ومكاتباتهم من غير نكير. روى عن الضحاك أن قوما من بنى تميم استهزؤا ببلال وخباب وعمار وصهيب وأبى ذرّ وسالم مولى حذيفة، فنزلت. وعن عائشة رضى اللّه عنها أنها كانت تسخر من زينب بنت خزيمة الهلالية وكانت قصيرة. وعن ابن عباس أن أمّ سلمة ربطت حقويها بسبيبة، «١» وسدلت طرفها خلفها وكانت تجرّه، فقالت عائشة لحفصة : انظري ما تجرّ خلفها كأنه لسان كلب. وعن أنس : عيرت نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمّ سلمة بالقصر.
وعن عكرمة عن ابن عباس أن صفية بنت حيّى أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت :
إن النساء يعيرننى ويقلن يا يهودية بنت يهوديين، فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«هلا قلت إن أبى هرون وإن عمى موسى وإن زوجي محمد» «٢» وروى أنها نزلت في ثابت بن قيس وكان به وقر، وكانوا يوسعون له في مجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليسمع، فأتى يوما وهو يقول : تفسحوا لي، حتى انتهى إلى رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وسلم، فقال لرجل : تنح، فلم يفعل، فقال : من هذا؟ فقال الرجل. أنا فلان، فقال : بل أنت ابن فلانة، يريد : أمّا كان يعير بها في الجاهلية، فخجل الرجل فنزلت، فقال ثابت : لا أفخر على أحد في الحسب بعدها أبدا «٣» الِاسْمُ هاهنا بمعنى الذكر، من قولهم : طار اسمه في الناس بالكرم أو باللؤم، كما يقال : طار ثناؤه وصيته. وحقيقته : ما سما من ذكره وارتفع بين الناس.
ألا ترى إلى قولهم : أشاد بذكره، كأنه قيل : بئس الذكر المرتفع للمؤمنين «٤» بسبب ارتكاب
(١). قوله «حقويها بسبيبة» في الصحاح «السب» : شقة كتان : والسبيبة : مثله. (ع)
(٢). ذكره الثعلبي عن عكرمة، عن ابن عباس بغير إسناد وفي الترمذي من رواية هاشم بن سعيد الكوفي : حدثنا كنانة حدثتنا صفية بنت حيي قالت «دخلت على النبي صلى اللّه عليه وسلم وقد بلغني عن عائشة وحفصة كلام. فذكرت ذلك له فقال : ألا قلت : وكيف تكونا خيرا منى وزوجي محمد صلى اللّه عليه وسلم وأبى هارون وعمى موسى عليهما الصلاة والسلام. وكان الذي بلغها أنهن قلن نحن أكرم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منها وخير منها نحن أزواجه وبنات عمه» وقال : غريب. وليس إسناده بذاك. وروى الترمذي وابن حبان وأحمد والطبراني من رواية معمر عن ثابت عن أنس قال. «بلغ صفية أن حفصة قالت بنت يهودى فبكت... فذكر معناه.
(٣). ذكره الثعلبي، ومن تبعه عن ابن عباس بغير سند.
(٤). قال محمود :«الاسم هاهنا الذكر، من قولهم : طار اسمه في الناس بالكرم. كأنه قال : بئس الذكر المرتفع للمؤمنين... الخ» قال أحمد : أقرب الوجوه الثلاثة ملائمة لقاعدة أهل السنة وأولاها : هو أولها، ولكن بعد صرف الذم إلى نفس الفسق، وهو مستقيم لأن الاسم هو المسمى. ولكن الزمخشري لم يستطع ذلك : انحرافا إلى قاعدة : يصرف الذم إلى ارتفاع ذكر الفسق من المؤمن، تحوما على أن الاسم التسمية، ولا شك أن صرف الذم إلى نفس الفسق أولى. وأما الوجه الثاني، فأدخله ليتم له حمل الاسم على التسمية صريحا. وأما الثالث فليتم له أن الفاسق غير مؤمن، وكلا القاعدتين مخالف للسنة فاحذرهما، وباللّه التوفيق. ولقد كشف اللّه لي عن مقاصده، حتى ما تنقلب له كلمة متحيزة إلى فئة البدعة إلا إذا أدركها الحق فكلمها، وللّه الحمد.