لأنّ القبائل تشعبت منها. وقرئ : لتتعارفوا، ولتعارفوا بالإدغام. ولتعرفوا، أى لتعلموا كيف تتناسبون. ولتتعرفوا. والمعنى : أنّ الحكمة التي من أجلها رتبكم على شعوب وقبائل هي أن يعرف بعضكم نسب بعض، فلا يعتزى إلى غير آبائه، لا أن تتفاخروا بالآباء والأجداد، وتدعوا التفاوت والتفاضل في الأنساب. ثم بين الخصلة التي بها يفضل الإنسان غيره ويكتسب الشرف والكرم عند اللّه تعالى فقال : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ وقرئ : أنّ، بالفتح، كأنه قيل : لم لا يتفاخر بالأنساب؟ فقيل : لأنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم لا أنسبكم. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم : أنه طاف يوم فتح مكة، فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال :«الحمد اللّه الذي أذهب عنكم عبية «١» الجاهلية وتكبرها، يا أيها الناس، إنما الناس رجلان : مؤمن تقى كريم على اللّه، وفاجر شقىّ هين على اللّه» «٢» ثم قرأ الآية. وعنه عليه السلام : من سرّه أن يكون أكرم الناس فليتق اللّه «٣». وعن ابن عباس : كرم الدنيا الغنى، وكرم الآخرة التقوى.
وعن يزيد بن شجرة : مرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في سوق المدينة فرأى غلاما أسود يقول :
من اشترانى فعلى شرط لا يمنعني عن الصلوات الخمس خلف رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وآله وسلم، فاشتراه رجل فكان رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وآله وسلم يراه عند كل صلاة، ففقده يوما فسأل عنه صاحبه، فقال : محموم، فعاده ثم سأل عنه بعد ثلاثة أيام فقال : هو لما به، فجاءه وهو في ذمائه»
، فتولى غسله ودفنه، فدخل على المهاجرين والأنصار أمر «٥» عظيم، فنزلت.
(١). قوله «عبية الجاهلية» في الصحاح : رجل فيه عبية، أى : كبر وتجبر. وعبية الجاهلية : نخوتها. (ع)
(٢). أخرجه الترمذي وابن حبان وأبو يعلى وابن أبى حاتم من رواية عبد اللّه بن دينار عن ابن عمر. وفي الباب عن أبى هريرة أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد والبزار وابن المبارك في البر والصلة من رواية سعيد بن أبى سعيد عن أبيه عنه نحوه. ومنهم من قال عن سعيد عن أبى هريرة : وعن عبد الملك بن قدامة الحاطبى. حدثني أبى أن النبي صلى اللّه عليه وسلم عام فتح مكة. صعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال : أما بعد يا أيها الناس» فذكر نحوه وأخرجه.
(٣). أخرجه الحاكم والبيهقي وأبو يعلى وإسحاق وعبد والطبراني وأبو نعيم في الحلية كلهم من طريق هشام ابن زياد أبى المقدام عن محمد بن كعب عن ابن عباس وأتم منه، قال البيهقي في الزهد : تكلموا في هشام بسبب هذا الحديث، وأنه كان يقول : حدثني عن محمد بن كعب ثم ادعى أنه سمعه من محمد، ثم أخرجه البيهقي من طريق عبد الجبار بن محمد العطاردي والد أحمد عن عبد الرحمن الطيبي بن القاسم بن عروة عن محمد بن كعب عن ابن عباس يرفع الحديث نحوه.
(٤). قوله «و هو في ذمائه» في الصحاح «الدماء» : ممدود بقية الروح في المذبوح. (ع)
(٥). هكذا ذكره الثعلبي والواحدي بغير سند.